مطالع الأنوار على صحاح الآثار

الراء مع الباء

          الرَّاء مع البَاء
          778- قوله في الدُّعاء عند الأكلِ: «ولا مُستَغنًى عنه ربَّنا» [خ¦5458] بفتحِ الباءِ لأكثرِهم على النِّداءِ، والضَّميرُ في «عنه» للطَّعامِ، ورواه الأصيليُّ: «ربُّنا» على القَطعِ وخبرِ المُبتدأ، ويكون الضَّميرُ في «عنه» لله سُبحانَه.
          قوله صلعم: «أن تلِد الأَمَةُ ربَّها» [خ¦50] و«ربَّتها» [خ¦4777] الرَّبُّ السَّيِّد، والرَّبَّة السَّيِّدةُ؛ أي: تلِدُ مثلَ سيِّدها ومالِكها، أراد كثرةَ السَّراري واتِّساعَ الأحوالِ، وقيل: معناه: العقُوق؛ أي: حتَّى يكونَ الولدُ لأمِّه في الغِلظة والاستِطالة كالسَّيِّد، وقيل: لمَّا كان ما تلِدُه من سيِّدها سبَبَ عِتقها كان كالسَّيِّد المعتِق لها.
          وأصلُ الرَّبِّ المالكُ، ومنه ربُّ العالمين، وقيل: القائمُ بأمُورِهم والمصلِحُ لهم، ومنه: «إنْ ربُّوني _بضمِّ الباء_ رَبَّني _بفتح الباء_ أكفاءٌ كِرامٌ» [خ¦4665] وللقابِسيِّ، / والحَمُّويي: «ربَّوني».
          وقوله: «لأنْ يَرُبَّني بنو عمِّي _بضمِّ الرَّاء أيضاً_ أحبُّ إليَّ من أن يَرُبَّني غيرُهم» [خ¦4666]؛ أي: يملِكَني أو يدبِّر أمري، ويصِيرُوا لي أرباباً؛ أي: سادَةً ومُلوكاً.
          في حديثِ سلمانَ: «تدَاوَله بِضعَةَ وعِشرُون من ربٍّ إلى ربٍّ» [خ¦3946]؛ أي: من مالكٍ إلى مالكٍ، وسيِّدٍ إلى سيِّدٍ، حين سُبِي وبِيعَ.
          و«الرَّبانِيُّون» [خ¦93/16-10622] العُلماءُ؛ لقيامهم بالكُتُب والعِلْم، وقيل: نُسِبوا إلى عِلْم الرَّبِّ، وقيل: نُسِبوا إلى العِلْم بالرَّبِّ، وقيل: لأنَّهم أصحابُ العلمِ وأربابُه، وزِيدَت النُّون للمُبالغةِ، ويقال فيه أيضاً: «ربِّيٌّ» على الأصلِ، ومنه: {رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} [آل عمران:146]، {وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ} [المائدة:44]، وقيل معناه: الجماعةُ؛ لأنَّ الرَّبَّة الجماعةُ، ورَبِيبُ الزَّوجِ فَعِيل بمعنى مَفعُول؛ لأنَّه يربِّيه ويقومُ بأمرِه.
          وقوله: «هل لك عليه من نِعمَةٍ تَرُبُّها»؛ أي: تقوم عليها وتَسعَى في صَلاحِها.
          وقوله: «كأنَّها رَبابةٌ» [خ¦7047] بفَتحِ الرَّاء؛ أي: سَحابَة بَيضَاءُ، ومنه ذكر الرَّباب جمع رَبابَةٍ بالفَتحِ فيهما؛ وهو ما ركِب بعضُه بعضاً.
          و«رُبَّ» [خ¦1126] و«رُبَّما» [خ¦87] إذا وصِلَت بـــ«ما» جاز شدُّها وتخفِيفُها وقد تخفَّف المفرَدة، فيقال: رُبَ رجل، ورُبَتَ رُجلٍ، ومعناها عند بعضِ النَّحاة التَّقليلُ، وعند آخرين التَّكثيرُ كقوله(1) :
أَلَا رُبَّ يومٍ لك مِنهُنَّ صالح                     .....................
          والصَّحيحُ أنَّها تأتي للوَجهَين، لكنَّ الأكثرَ للتَّقليلِ.
          و«الرُّبَّى» الشَّاة القَريبةُ العَهدِ بالنِّتاجِ، وهو رِبابُها بكَسرِ الرَّاء، وجمعُ الرُّبَّى رُبابٌ بالضَّمِّ، وقيل: هي التي تُربِّي ولدَها، وقيل: لا يُقال ذلك إلَّا للنَّعجةِ خاصَّةً، وقيل: بل إنَّما يُقالُ في النَّاقةِ والبَقرةِ والعَنزِ ولا يقال في النَّعجةِ، وقيل: «الرُّبَّى» هي التي يحمِلُ عليها الرَّاعي أداتَه، والأوَّلُ أعرَفُ.
          779- وقوله في مَوضعِ المَسجِدِ: «كان مِرْبداً» [خ¦3906]؛ أي: مَوضِعاً تحبَس فيه الإبلُ والغنمُ، ومِربَدُ البَصرَةِ موضعُ بيعِ الإبلِ؛ لأنَّها تحبَس فيه عند البيعِ، والمِربَدُ أيضاً مَوضعٌ يوضَع فيه التَّمر إذا جُدَّ ليَيبَس كالجَرِينِ، وأصلُه من الإقامةِ واللُّزومِ، ربَد بالمَكانِ أقَام فيه.
          و«اّْربدَّ وَجْهه»، و«تَرَبَّد»، و«جعَل يَرْبَدُّ»، و«أسودُ مُربادٌّ»، و«مُربَئِدٌّ» في مُسلمٍ، وكلُّه من الرُّبْدَة؛ / وهو لونٌ بين البياضِ والسَّوادِ والغُبْرَة، كأنَّه لونُ الرَّماد، وقيل: بل مثل لونِ النَّعامِ، وبه سُمِّيت ربْداً، ومَن قال: «مُربَئِدٌّ» بالهَمزِ فهي لغةٌ في هذا البابِ، يقال: احمَأرَّ واصفَأرَّ واخضَأرَّ واربَأدَّ.
          780- قوله صلعم: «فذَلِكُم الرِّباطُ»، و«رَجُلٌ رَبَطَها» [خ¦2371]، الرِّباطُ مُلازَمة الثَّغر للجهادِ، شبَّهوا به المُصلِّي في الأجرِ، وربطُ الخيلِ: حبسُها وإعدادُها لمِا يُراد له من جِهادٍ وكَسبٍ وغيرِ ذلك، وقيل: معناه: إنَّ هذا يَربِط صاحبَه عن المَعاصِي ويعقِلُه عنها، فهو كمن رُبِط وعُقِل.
          وقوله: «كان لنا جاراً ورَبِيطاً»؛ أي: مُلازماً.
          781- وقوله في الشُّفعَةِ: «في أرضٍ أو رَبْعٍ» الرَّبْعُ الدَّارُ بعَينِها في قولِ الأصمعيِّ حيث كانت، والرَّبعُ المَنزِل في زمَنِ الرَّبيع خاصَّة، قال القاضي: وتَفرِيقه في الحديثِ بين الأرض والرَّبع يصحِّح ما قاله، وأنَّه مُختَصٌ بما هو مَبنِيٌّ.
          وفي بعضِ الرِّواياتِ: «أو رَبْعَةٍ» كما يقال: دار ودارَة، ومَنزِل ومَنزِلة.
          وفي روايةٍ: «أو ربعِه» بهاء الضَّميرِ، ويَعضُده أيضاً ما تقدَّم.
          قوله في الشُّؤم: «إن كان ففي الرَّبع».
          وجاء في الرِّواية المَشهُورةِ: «في الدَّار» [خ¦5094] فدَلَّ على أنَّه المُراد.
          وقوله: «كان رَبـعةً» [خ¦3547] بسُكونِ الباء وفَتحِها؛ هو رجلٌ بين رجُلين في قدِّه.
          وفي الحديثِ الآخرِ: «مَرْبُوعاً» [خ¦3551]، ويفسِّرُ هذا كلَّه قولُه: «ليس بالطَّويلِ ولا بالقَصيرِ». [خ¦3548]
          وفي حَديثٍ آخرَ: «كان أطولَ من المَربوعِ»، ويقال: رَبْعة للذَّكر والأنثى، والواحدِ والجميعِ.
          782- قوله: «بابُ الحُكْرَة والتَّربُّص» يريدُ التَّربُّصَ ببَيعِ الطَّعامِ لارتفاعِ الأسواقِ، والحُكْرَةُ اكتنازه وجَمعُه توقُّعاً لعدْمِه من أيدي النَّاسِ.
          783- قوله: «كرَبْضَة العَنْز» بفتح الرَّاء ضَبَطناه على أبي بَحرٍ، وحكاه ابنُ دُريدٍ بكَسرِها، وكذا قيَّدناه على ابنِ سراج، وكذا للتَّميميِّ في كتابِه، ومعناه: جُثَّة العنز إذا برَكت؛ أي: ثنَّت قوائمُها وربَضت.
          وقوله: «اّْربَعُوا على أنفُسِكم» [خ¦2992]؛ أي: اعطفوا عليها / بالرِّفق بها والكفِّ عن الشِّدَّةِ، وقوله: «اّْربَعي على نَفسِكِ»؛ أي: كفِّي وارفقي، وقيل: الزَمِي أمركِ وشَأنكِ، واّْنتظري ما تريدين ولا تعجَّلي.
          وقوله في حائطِه: «رَبِيعٌ»، و«على أَرْبِعَاءَ» [خ¦938]، و«ما يَنبُت على الأربعاءِ» [خ¦2346] كلُّه الجَدوَل بكَسرِ الباء في الجميعِ، ويقال أيضاً: رُبْعان، وأمَّا رَبِيعُ الكَلأ وهو الغضُّ منه فيجمع على أربِعة وربعان، وأمَّا اليومُ؛ فيقال: أرْبَعاء وأرْبُعاء وأرْبِعاء بفَتحِ الباء وضمِّها وكَسرِها، وجمعه أَربِعَاوَات.
          وقوله: «أميرُ رُبْعٍ من تلك الأَرْباعِ» يعني قِسمةَ الشَّام، وأنَّها كانت أجناداً أربَعة، يزيدُ منها على رُبعٍ من تلك لأجنادِ.
          وقوله: «وإنَّ ممَّا يُنبِتُ الرَّبِيعُ» [خ¦1465] يعني الزَّمانَ الذي بين فصلِ الشِّتاء والصَّيفِ على الاختلافِ بين العَربِ في ذلك.
          وقوله في حديثِ أبي لُبابَةَ: «ربَط نفسَه بسِلسِلَةٍ رَبُوضٍ» يعني ثقيلة، كأنَّها لثِقَلِها ربَضَت بالأرضِ؛ أي: أقامَت، ومنه: ربَضتِ الماشيةُ، ومَرابضُها موضعُ مَبيتِها، وفلانٌ ربْضٌ عن الحاجاتِ؛ أي: ثقِيلٌ، كأنَّه لا يبرَح فيها ولا يخفُّ.
          وقوله: «جملاً رَباعِياً» مخفَّف الياء.
          وفي روايةٍ: «رَباع»، وهو الذي سقَطت رَباعِيتاه من أسنانه، ورَباعِيَة للأنثى، ورَباع للذَّكر، فإذا نصَبْته قلت: رباعياً، والرَّباعية من الإنسان هي السِّنُّ التي بعد الثَّنيَّة، وهي أربعٌ محيطاتٌ بالثَّنايا، اثنتان من فوق، واثنتان من أسفل.
          784- و«الرِّبا» [خ¦2134] الزِّيادةُ في البيعِ التي لا تبيحها السُّنَّة(2).
          وقوله: «إلا رَبا مَكانَها» [خ¦602]؛ أي: ارتَفَع وزاد منَ الطَّعامِ وانتَفَخ؛ أي: أكثر مما أُخِذ، وقوله: «فرَبا الرّجلُ رَبْوَةً» [خ¦2225]؛ أي: ذُعِر وامتلأ خوفاً.
          وقوله: «حَشْيَا رَابِيَةً»؛ أي: أصابَها الرَّبوُ؛ وهو البُهرُ وانتفاخُ الرِّئة، فعلا نَفَسُها كما يعتري من شِدَّة الجري وتناول ما يُثقل، قال الخليلُ: ربا أصابه نَفَسٌ في جَوفِه، وبه سُمِّيت الرَّبوَة لما ارتَفَع عن الأرضِ.
          785- وقوله: «إلَّا ربَّاها كما يُرَبِّي أحدُكم فُلُوَّه» [خ¦1410] التَّربِيَة والتَّربِيبُ القيامُ على الشَّيءِ وإصلاحُه بالمُعاهَدةِ له، رَبَّه ورَبَّته ورَبَّبه / ورَبَّاه، كلُّه قام عليه، ومعنى الحديثِ هنا تضعيفُ الأجرِ وتكثِيرُه.


[1] هو امرئ القيس في معلقته كما في ديوانه: 26، وتمامه:
~أَلَا ربَّ يومٍ لكَ مِنْهُنَّ صالحٍ
~ولا سيَّما يومٍ بدارَةِ جُلْجُلِ
[2] في «المشارق»: (الشَّريعة)، وهو أوضح.