مطالع الأنوار على صحاح الآثار

الجيم مع الهاء

          [الجيم مع الهاء]
          390- قوله: «حتَّى بلَغَ منِّي الجَهد» [خ¦3] بفتح الجيم، وقالَه بعضُهم بضمِّها، وقوله: «وما ظنَنتُ أنَّ الجَهْدَ بلَغَ بك هذا» [خ¦1816]، و«جَهْد المَدينةِ»، و«أَصابَهم قَحْطٌ وجَهْدٌ» [خ¦4821]، و«جَهْد البلاءِ» [خ¦6347]، وقوله: «جَهدَ العِيَالِ» [خ¦1018]، و«جهِدتُ أن أَجِدَ مَرْكَباً» [خ¦2291] بكسر الهاء، و«اجْهَدْ عليَّ جَهْدَكَ» [خ¦3704]؛ أي: ابلُغ أقصَى ما تَقدِر عليه.
          وقوله: «فكان أوَّلَ النَّهارِ جاهداً على نبيِّ الله» [خ¦3911]؛ أي: مُبالغاً في طَلبِه وأذاه، وقوله: «ما زِلتُ جاهداً في طَلبِ مَرْكَبٍ» [خ¦2291]؛ أي: مُبالغاً في طَلبِه.
          وكلُّ هذا راجِعٌ إلى معنَى الشِّدَّةِ في الحالِ والمُبالغةِ في تكلُّفِ المشَقَّةِ، وبلوغِ غايةِ الجِدِّ، وعن ابنِ عمرَ أنَّه قال: «جَهْدُ البلاءِ؛ / قِلَّةُ المالِ، وكثرةُ العِيال»، وعن النَّبيِّ صلعم: «جَهْدُ البلاءِ الصَّبرُ»، قال ابنُ عَرَفَة: الجُهدُ بالضَّمِّ الوُسْعُ والطَّاقةُ، وبالفَتحِ المبالغةُ والغايةُ، ومنه حديثُ ابنِ عمرَ: «اجْهَدْ عَليَّ جَهْدَكَ». [خ¦3704]
          ورُوِي عن الشَّعبيِّ: الجَهدُ بالفتحِ في العملِ، وبالضمِّ في القِيْتَةِ يعني المعيشةَ، وقال غيرُه: إذا كان من الاجتهادِ والمُبالغةِ ففيه الوَجهَان، قال ابنُ دُريدٍ: وهما لغتان فصِيحَتان، بلَغ الرَّجل جُهدَه وجَهدَه، وقاله يَعقوبُ، وفي «العين»: الجُهدُ الطَّاقةُ، والجَهدُ المشقَّةُ، وقد قرِئ: {وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ}[التوبة:79] بالفتحِ والضَّمِّ.
          فمعنَى «جَهِدتُ أن أَجِدَ مَرْكَباً» [خ¦2291]؛ أي: اجتَهدتُ، و«جَهد العِيَال» [خ¦1018] أَصابَهم الجَهدُ؛ أي: الغايةُ في المشقَّة، ومن قال: «الجُهد» فإمَّا أن يكون لُغتَين، أو يكون: وُسْعَ الـمَلَك وطاقتَه من غَطِّهِ، ويكون مَنصوباً على هذا التَّأويلِ مَفعولاً بـ «بلَغ»، وعلى التَّأويل الآخَر يكون مرفوعاً على أنَّه فاعلٌ، و«جَهْدُ البلاءِ» [خ¦6347] شِدَّتُه.
          وفي الغُسْلِ من الالتقاءِ: «ثمَّ جَهَدَها» [خ¦291]؛ أي: بالَغ في مُعاناةِ ذلك العملِ والحركةِ فيه، كنايةٌ عن بلوغِ الغايةِ في ذلك، أو فيما بلَغ منها هي في ذلك، يُقال: جَهَدتُه على فعلِ كذا وأجْهَدته إذا بلَغتَ مَشقَّتَه وأخرَجتَ ما فيه من الجَهْد، قال الخطَّابيُّ: «الجَهْد» من أسماء النِّكاحِ، فمعنَى «ثمَّ جَهَدَها» وَطِئَها؛ أي: أولَجَ فيها.
          391- قوله صلعم: «كلُّ أُمَّتي مُعافًى إلَّا المُجاهرِينَ» [خ¦6069] بالرَّاء؛ أي: المعلنون بالمعاصِي الذين يشتَهِرون بإظهارِها، والجَهرُ خِلافُ السِّر.
          قوله في تفسير «يَتغَنَّى بالقُرآنِ»: «يَجهَرُ به» [خ¦5023]، يقال: تغنَّى بمعنَى جهَر؛ أي: رفَع صوتَه، ويقال: جهَر وأجْهَر، والجَهرُ والإجْهارُ لُغتَان بمعنًى، وسيأتي الغِناءُ وتَفسِيرُه في حَرفِه إن شاء الله تعالى.
          392- قوله: «إنِّي لأُجهِّزُ جَيشِي» [خ¦21/18-1929] جهَزتُ القومَ إذا هيَّأتَ لهم ما يُصلِحهم في سَفرِهم؛ غزوٍ أو حجٍّ أو تجارةٍ أو غيرِ ذلك ممَّا يحتاجون إليه، ومنه: «قد كنتَ قضيتَ جَهازَك»؛ أي: فرَغت من النَّظرِ فيه / والاعتدادِ له، والجَهاز بفتح الجيم هو اسمٌ للشَّيءِ المعَدِّ، ومنهم مَن أجاز كسرَ الجيم، ومنهم مَن منَعه.
          وفي الحديثِ: «فأَمرَ بجَهازِه فأُخرِجَ» [خ¦3319] يعني رحلَه ومتاعَ سَفرِه من فراشٍ وغيرِه، و«تَجهَّزَ رسولُ الله صلعم» [خ¦4418]؛ أي: أعدَّ جَهازَه للغزوِ من زادٍ وعُدَّةٍ وغيرِ ذلك ممَّا يُصلِحه ويَحتاج إليه.
          393- قوله: «فجَهَشَ النَّاسُ نحوَه» [خ¦3576]؛ أي: استَقبَلوه مُتهيِّئِين للبُكاءِ مُستعدِّين له، وقيل: فزِعين لائذِين به، قال الطَّبريُّ: فزِعوا إليه ورمَوه بأبصارِهم مُستغِيثين به، وفيه لُغتَان؛ جهَشْتُ وأجْهَشْتُ إذا تهيَّأتَ للبكاء، قال القاضي: ولا معنَى هاهنا لذكرِ البُكاء، وإنَّما يأتِي هنا للمَعانِي الأُخرِ.
          394- قوله في الصَّائمِ: «ولا يَجهَلْ» [خ¦1894]؛ أي: لا يَقُلْ قولَ أهلِ الجَهل من رَفَثِ الكلامِ وسَفهِه، أو لا يَجفُو أحداً ويشتِمُه، يقال: جهِل عليه إذا جفَاه، ومنه: «وأحلُمُ عنهم ويَجهَلُون عليَّ»، ومِثلُه: «مَن لم يدَع قولَ الزُّورِ...والجهلَ». [خ¦6057]
          وقوله: «فمِيتَتُه جاهليَّةٌ» [خ¦7054]؛ أي: على صفةِ حالِ الجاهليَّة من أنَّهم لا يطِيعون لإمامٍ ولا يَدِيْنُون بما يجِب من ذلكَ، وقوله: «إنَّكَ امرُؤٌ فيك جاهِليَّةٌ» [خ¦30]، و«نَذرْتُ ليلةً في الجاهليَّةِ» [خ¦2032] و«كانت قريشٌ تصومُه في الجاهليَّة» [خ¦2002]، كلُّ ذلك كِنايةٌ عمَّا كانَت عليه العربُ قبلَ الإسلامِ، وبَعثِ الرَّسول صلعم، من الجهلِ بالله تعالى، وبرسُولِه، وبشرائعِ الدِّين، والتَّمسُّك بعبادةِ غيرِ الله تعالى، والمُفاخرةِ بالأنسابِ، والكبرياءِ، والجبروتِ، إلى سائرِ ما أذهبَه الله وأسقطَه، ونهَى عنه بما شرَعه من الدِّين، وأبانَه بالعِلمِ.
          395- وقوله: «فتَجهَّموه»؛ أي: استقبَلوه بما يكرَه، وقطَّبوا له وجُوهَهم، ووجهٌ جهْمٌ غليظٌ كريهُ المَنظَرِ.