مطالع الأنوار على صحاح الآثار

الجيم مع الميم

          الجيم مع الميم
          358- «فجَمَحَ موسى في إِثْرِه»؛ أي: أسرَع، فرسٌ جَموحٌ سريعٌ، وهو مدحٌ، وفرسٌ جَموحٌ إذا كان لا يَثنِيه لجامٌ بل يركَب رأسَه في جَريِه، وهو ذمٌّ، ودابَّةٌ جَموحٌ إذا كانت تَمِيل في أحدِ شِقَّيها، وهو ذمٌّ أيضاً.
          359- وقوله: «يُصلِّي على الجَمْدِ» [خ¦8/18-628] بسكونِ الميم، وفي كتابِ الأصيليِّ وأبي ذرٍّ بفَتحِها، والصَّوابُ بالسُّكونِ، وهو هاهنا الماءُ الجامدُ من شدَّة البردِ؛ بدليل التَّرجمةِ وذِكْر الصَّلاةِ على الثَّلجِ، والجَمْد والجُمْد بفتح الجيم وضمِّها مع سكونِ الميم الأرضُ الصُّلبةُ.
          360- قوله: «مَن استَجْمَر فلْيُوتِر» [خ¦161] هو التَّمسُّحُ بالجمارِ، وهي الحِجارةُ الصِّغارُ، وقيل: سُمِّي بذلك؛ لأنَّه يُطَيِّب الرِّيح كما يُطَيِّبه الاستجمارُ بالبَخورِ، وقد قيل في قوله: «مَن استَجْمَر فلْيُوتِر» إنَّه البَخور، مأخوذٌ من الجَمْر الذي يُوقَد به، وقد كان مالك يقولُه ثمَّ رجَع عنه، وأمَّا قولُه: / «استجَمَر بأَلُوَّةٍ» فهو هاهنا البَخور لا غيرَ.
          وفي الحديثِ: «أجْمِرُوا ثِيابي»؛ أي: بخِّروها.
          وفي الحديثِ: «ومَجامِرُهم الأَلُوَّةُ» [خ¦3245]؛ أي: بَخورُهم، ويكون جمعَ «مَجْمرٍ»؛ أي: الآلات التي يُتَبخَّر بها، فسُمِّي بها البَخور.
          قوله: «يرمِي الجَمرتين» [خ¦25/140-2745] هي هاهنا اسمٌ لموضِعِ الرَّمي.
          قوله: «أُتِيَ بِجُمَّار» [خ¦72] يعني الكَثَر، وهو رَخْصُ طلعِ النَّخلِ وما يُؤكَل من غُلْفتِه.
          361- قوله: «فقدُوا جَاماً من فِضَّةٍ» [خ¦2780] هو إناءٌ يُشرَب به، وهو عربيٌّ، وقيل: هو جمعُ «جامةٍ».
          362- قوله: «جمَزَ» [خ¦5270] في حديث ماعزٍ؛ أي: عدا ووَثَب مُسرعاً، وليس بالشَّديدِ من العَدْوِ، والجَمَزى ضربٌ من السَّيرِ كأنَّه قَفْز، ويقال: جمَزَ وأجمَز.
          363- قوله: «فجَمَلُوه» [خ¦2223]، وفي حديثٍ آخرَ: «فأَجْمَلُوه» يعني الشُّحومَ؛ أي: أذابُوها، وكذلك «يجْمُلُون منها الوَدَكَ» بفتحِ الياء وضمِّها؛ أي: يُذِيبونه، يقال: جَمَل وأجْمَل.
          وفيها ذِكرُ الجَمالِ والجَميلِ والتَّجمُّلِ؛ فالجَمالُ: الحُسنُ، والتَّجمُّل: التَّزيُّن وإظهارُ الزِّينةِ بالثِّيابِ وفي الحالِ، وإظهارُ الجَميلِ والتَّودُّدِ، وإظهارُ جمال الحال، والجَميلُ: الحَسَنُ الصُّورةِ، قال الحربيُّ: كان أبيضَ أو آدمَ، والصَّبيحُ الأبيضُ وإن لم يكُن جَميل الصُّورةِ، وقوله: «إنَّ الله جميلٌ يُحبُّ الجَمالَ»؛ أي: مُجْمِلٌ مُحْسِنٌ، وقيل: ذو النُّور والبَهجةِ؛ أي: خالقُهما، وقيل غيرُ ذلك.
          وفي التَّفسير: «{حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ}[الأعراف:40]» نَفسُه، وقُرِئ: ▬الجُمَّلُ↨(1) وهو حَبلُ السَّفينةِ.
          وقوله: «فأجمِلوا في الطَّلب» بقطعِ الهمزةِ؛ أي: أحسِنوا فيه بأن تأتُوه من وجْهِه.
          364- و«الجُمان» حبوبٌ مدَحْرَجة أمثالُ اللُّؤلؤِ تُصنَع من فِضَّة وغيرِها، قال ابنُ دُريدٍ: وقد سَمَّوا الدُّرَّ جُماناً، وهو بتخفيف الميم، وفي حديثِ عيسَى: «ينْحَدِرُ منه جُمانٌ كاللُّؤلؤِ» يريد بذلك ما ينحدِر من ماءِ رأسِه.
          365- «والمَرأةُ تموتُ بجُمْع شهيدٌ» بضمِّ الجيم، ورُوِي: بالفتح وبالكسر، وكلُّه صحيحٌ، ومعناه بحَملٍ قد اجتمَع خلقُه في بطنِها، وقيل: بل من نفاسٍ، وقيل: بل تموتُ بِكراً لم تُفتضَّ، وقيل: صغيرة لم تحِض، وقال: «شهِيد» بلفظ المُذكَّر، وهو الوجه، والذَّكرُ والأنثَى فيه سواءٌ.
          و«سَهْمُ جَمْعٍ»؛ أي: جماعةٍ، وقيل: يُجمَع له / سَهمانِ من الأجرِ، وقيل: سهمُ جيشٍ، وهو الجَمعُ، وقيل: مثلُ سَهمٍ من الغَنِيمةِ، وقيل: أجرُ مَن شهِد جمعاً، وهي المُزدلِفةُ، وأيامُ جمعٍ أيامُ منًى، و{يَوْمَ الْجَمْعِ} [الشورى:7] يومُ القِيامة.
          و«بهيمةً جَمعاءَ» [خ¦1358]؛ أي: حاملٌ، قاله ابنُ وَهبٍ، وقال غيرُه: بل مُجتَمِعة الخَلق لا عاهةَ بها ولا نقصَ، ويُبيِّنه بعد ذلك: «هل تُحِسُّ فيها من جَدعاءَ».
          والجَمعُ من التَّمرِ كلُّ ما لا يُعرَف له اسمٌ من التَّمرِ، وفسَّره في مُسلمٍ: «الخِلْطُ من التَّمر» [خ¦2080]؛ أي: المُختلِط، وحكى المطرِّزُ أنَّ الجَمعَ نخلُ الدَّقَلِ.
          وقوله: «حدَّثنا وهو جَميعٌ»؛ أي: مُجتمِع العقلِ والحفظِ في كهولته قبل شِيَخِه، ووَهنِ جِسْمِه، واختلالِ ذُكْــرِه، وتفرُّقِ ذِهنِه، وكذلك قولُ عمرَ: «وأمرُكُما جَمِيعٌ» [خ¦4003]؛ أي: متَّفِق غيرُ مختلِفٍ، وقوله: «لا جِماعَ لك»؛ أي: لا اجتماعَ معك، وقوله: «وجامِعوهنَّ في البيُوتِ» يعني خالِطوهنَّ ولا تعتَزِلوهنَّ اعتزالَ اليهُودِ، لكن لا تَطؤوهنَّ.
          وفي صفةِ خاتم النُّبوَّة: «جمْعٌ عليه خِيلانٌ» «الجمْعُ» بضمِّ الجيم وكسرِها الكفُّ إذا جُمِع، يقال: ضربَه بجُمْعِه وجِمْعه.
          وقوله: «فضربَ بيَدِه مَجْمعَ بين عُنُقي وكَتِفي» [خ¦1478]؛ أي: حيثُ يجتَمعان، وكذلك: {مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ} [الكهف:60] حيثُ يجتَمع بحرٌ وبحرٌ.
          قوله: «فجمَعتُ عليَّ ثيابي» [خ¦2468]، و«جمعَتْ عليها ثِيابَها»(2) هو جمعُ الثِّياب التي يُبرَز بها إلى النَّاس من الرِّداءِ والإزارِ والدِّرعِ والخِمارِ دون ما يتَفضَّل به من ثيابِ مَهْنَته في بيتِه.
          و«جَوامِعُ الكَلِم» قيل: القرآنُ لإيجازِه، و«كان يتكلَّم بجَوامِع الكَلِم»؛ أي: بالمُوجزِ من القَولِ، وهو ما قلَّت ألفاظُه واتَّسعَت معانيه، وقوله: «إلَّا هذه الآيةُ الجامعةُ» [خ¦2371] من هذا المعنى؛ لكونها مختصرةَ اللَّفظِ عامَّةَ المَضمونِ، ويومُ الجُمعةِ بضمِّ الميم والسُّكونِ، مُشتقَّة من اجتماع النَّاس للصَّلاةِ، قاله ابنُ دُريدٍ، وقال غيرُه: بل لاجتماع الخَليقةِ فيه وكمالها.
          ورُوِي عن النَّبيِّ صلعم: «أنَّها سُمِّيت بذلك؛ لاجتماعِ آدمَ فيه مع حوَّاءَ» يعني في الأرضِ.
          وقوله: «الصَّلاة جامِعَة» [خ¦1045]؛ أي: ذاتُ جماعةٍ، / أو جامعةٌ للنَّاس.
          وقوله: «مَن فارقَ الجماعةَ» [خ¦7054] ظاهرُه سوادُ النَّاس وما اجتَمَعوا عليه في الإمارةِ، وقيل: هم العلماءُ، وهو أصحُّ.
          وقوله: «فأَجمَعتُ صِدقَهُ» [خ¦4418]؛ أي: عزَمتُ عليه واعتقَدتُه، أجمَعتُ أمري وأجمَعتُ عليه بمعنَى عزَمتُ، قاله نِفطُويَه، وقال أبو الهيثم اللُّغويُّ: أجمَع أمرَه؛ أي: جعَله جميعاً بعدَ أن كان متفرِّقاً، ومثلُه المُسافرُ: «إذا أجمَع مُكثاً».
          وفي الصَّائمِ: «إذا أجمَع الصِّيامَ»؛ أي: عزَم عليه ونوَاه.
          وقوله: «سَبْعاً جَمِيعاً، وثَمانياً جَميعاً» [خ¦562] يعني الظُّهرَ والعصرَ، والمَغربَ والعشاءَ؛ أي: جمَع بين كلِّ صلاتين منها، وذلك عددُ ركعاتِ المَجموعِ.
          وقوله: «مُستَجمِعاً ضَاحِكاً» [خ¦6092]، و«وجهُه ضحِكاً» ومعناه: مُقبِلاً بكلِّه على الضَّحِك.
          366- قوله في الحُدَيبِيَة: «وقد جمُّوا» [خ¦2731]؛ أي: استَراحوا من جَهدِ الحرب، وهم جامُّون؛ أي: مُستَرِيحُون.
          وقيل في: «جامِّين رِواءً» مُمتلِئين ماءً، من جِمام المكُّوكِ، وهو امتِلاؤُه، وجمَّت الدَّابَّة استَراحَت، وأصلُه الجمعُ والكثرةُ، ومنه: الجمُّ الغفيرُ، و{أَكْلًا لَّمًّا. وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} [الفجر:19-20].
          وقوله: «التَّلبينَة مَجمَّةٌ للفُؤاد» [خ¦5417] بفتحِ الجيم وكسرِها مع فتحِ الميم، فإنْ ضمَمتَ الميم كسَرت الجيم لا غيرُ، وفي حديثٍ آخرَ: «تجُمُّ فُؤاد الحزِين(3)» [خ¦5689]؛ أي: تريحُه، وقيل: تفتَحه، وقيل: تجمَعه.
          قوله: «وكان عظيمَ الجُمَّة»، و«إنَّ لي جُمَّةً»، و«وَفَى جُمَيمَةً» [خ¦3894] الجُمَّةُ أكثرُ من الوَفْرةِ، وذلك إذا سقَطت على المَنكِبين، والوَفْرةُ إلى شَحمةِ الأذنِ، واللِّمَّةُ بينهما تَلُمُّ بالمَنكبِ.


[1] في هامش (ف): (قرأ ابنُ عبَّاس: ▬الجُمَّل↨، وهو حبلُ السَّفينة، حكاه الجَوهريُّ ☼).
[2] الحديث أخرجه بهذا اللفظ الفاكهي في «أخبار مكة»4/88.
[3] في «المشارق»: (المريض)، وكذا في «الصَّحيحين»، وأخرجه أحمد بلفظ: «لَيَرْتُو فُؤَادَ الْحَزِينِ».