مطالع الأنوار على صحاح الآثار

الجيم مع الراء

          الجيم مع الرَّاء
          331- قوله: «وقومُه جُرآءُ عليه» على وزن «عُلماء»، جمعُ جَرِيء؛ أي: جُسَراء مُتسلِّطين(1) غير هائبِين له، ومثلُه: «إنَّك عليه لجريءٌ» [خ¦525]، و«إنِّي إذاً لجريءٌ» [خ¦4910]، و«عجِبتُ... من جُرأَتي على رسُولِ الله صلعم» [خ¦1366]، و«ما الذي جرَّأ صاحبَك» [خ¦6939] يعني عليَّاً، كلُّه مَهموزٌ من الجُرأةِ، وهي الجَسارةُ، وضِدُّه الجُبنُ، وهو قولُ عمرَ: «الجُرأةُ والجُبنُ غَرائزُ».
          332- وقوله: «وملأنا جُرُبَنا» جمعُ جرابٍ، وهو وعاءٌ من جلدٍ كالمِزوَدِ، وبفتح بالجيم ذكَره ابنُ القزَّاز، وبالكسرِ ذكَره الخليلُ وغيرُه.
          333- قوله: «إنَّما يُجَرجِرُ في بَطنِه نار جَهنَّم» [خ¦5634] بضمِّ الرَّاء وفَتحِها، فمَن نصَب جعَل الجرجرةَ بمعنى الصَّبِ، وإليه ذهَب الزَّجَّاجُ؛ أي: إنَّما يصبُّ في بَطنِه نارَ جهنَّم، ومَن رفَع جعَلها بمعنى الصَّوت؛أي: إنَّما يُصوِّت في بطنِه نارُ جهنَّم، والجرجرةٌ الصَّوتُ المُتردِّدُ في الحَلقِ، وجَرجَر الفحلُ إذا ردَّد صوتَه في حلْقِه، وقد يصِحُّ النَّصبُ على هذا أيضاً إذا عُدِّيَ الفعلُ، وإليه ذهَب الأزهريُّ، ووقَع في بعضِ طرُقِه في مُسلمٍ: «كأنَّما يجرْجِر في بَطنِه ناراً من نارِ جهنَّم»، وهذا يقوِّي روايةَ النَّصبِ.
          قوله: «ثمَّ اجترَّت»؛ أي: ردَّدَت جِرَّتَها من جَوفِها ومضَغَتها، ومنه قوله: «تَقْصَع بجِرَّتِها»؛ أي: تُخرِج ما في كِرشها ممَّا رَعَت فتُردِّدُه للمَضغِ.
          قوله: «هَلُمَّ جَرَّاً» منوَّنٌ، معنى «هلُم» في الأصلِ أَقبِل وتعال، قال ابنُ الأنباري: ومعنى «هلُمَّ جرَّاً» سِيرُوا وتمهَّلوا في سَيرِكم وتثبَّتوا، وهو مِن الجرِّ، وهو تركُ النَّعمِ ترعَى في / سَيرِها، قال القاضي ☼: فمعناه هاهنا أنَّ الخلفاءَ ساروا كذلك لم يَنقطِع عملُهم، بل ثبَتوا عليه، وكذلك فيما دُووِمَ عليه من الأعمالِ، قال ابنُ الأنباري: وانتصَب «جرَّاً» على المَصدرِ؛ أي: جرُّوا جرَّاً، أو على الحالِ، أو على التَّمييزِ.
          334- و«جريدةً رَطْبَةً فشَقَّها» [خ¦218] هي سعَفُ النَّخلِ وأغصانُه التي تخرُج فيها خُوصُها.
          335- وقولهم: «إنَّ بلادَنا كثيرةُ الجِرذان» بذالٍ مُعجمةٍ وكسرِ الجيمِ، جمع جُرَذٍ، وهو الفأرُ.
          336- قوله: «بجَرِيرةِ حُلفائِكَ» وهي الجِنايةُ حيثُ وقعَت؛ أي: بما جرَّ حُلفاؤُك عليك من تِباعةٍ.
          وقوله: «مِن جَرَّايَ»؛ أي: مِن أجلي وسَببِي، وكذلك: «مِن جَرَّاءِ هِرَّةٍ»؛ أي: مِن سَببِها، ويُمَدُّ ويُقصَر، فيقال: مِن جرَّاك وجرَّائك وجريرك وأَجلِكَ وإِجلِكَ.
          قوله «سُئِل عن نَبِيذِ الجَرِّ» فسَّرَه في الحديثِ: «كلُّ شيءٍ يُصنَع من المَدَرِ»، والمرادُ به الجِرارُ الضَّاريَة، وهي أواني الخزَفِ.
          337- قوله «لا جرَم أنَّه كذا» [خ¦65-6790]؛ أي: لا نكيرَ بل حُقَّ ووجَب، وقيل: معناه لا محالةَ ولا بُدَّ، وقيل: معناه كسَب، وقيل في قوله تعالى: {لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ} [المائدة:2] لا يَكسِبنَّكم، وقيل: لا يَحمِلنَّكم، قال الفرَّاء: أصلُ لا جرمَ تبرئةٌ، ثمَّ استُعمِلَت بمعنى حقَّاً، ويُقال: جرَم، واجتَرم، وأجرَم؛ أي: كسَب، وفيه سِتُّ لغاتٍ: لا جَرَم، ولا جُرْم، ولا جَرْم، ولا ذا جَرْمٍ، ولا ذا جَرَمٍ، ولا عن ذا جَرَم(2).
          338- «طاعُونُ الجارِفُ» لجَرفِه النَّاسَ وعُمومِه بالموتِ، وأصلُه الغَرفُ، والمِغرَفَةُ مِجرَفةٌ، وكان هذا الطَّاعونُ بالبصرةِ سنةَ تسعَ عشرةَ ومئةٍ.
          339- قوله: «جَرَسَتْ نَحلُه العُرْفُطَ» [خ¦5268]؛ أي: أكلَت ورعَت، و«ناقةٌ... مُجَرَّسَة» بفتحِ الرَّاء مُشدَّدةٍ؛ أي: مجرَّبةٌ في الرُّكوبِ، مذَلَّلةٌ في السَّيرِ، والجَرَسُ الجُلجُل، وأصلُه صوتٌ مُتَدارِكٌ، ويقال للصَّوت: جَرَسٌ وجِرْسٌ، قال القاضي أبو الفضل ⌂: وكذا قيَّدناه في قولِه: «لا تصحَبُ الملائكةُ رُفقةً فيها... جَرْسٌ» بإسكان الرَّاء.
          وفي البُخاريِّ: «الجَرْس والجِرْس(3) واحدٌ، وهو الصَّوتُ / الخَفِيُّ»، وهذا صحِيحٌ(4)، واختار ابنُ الأنباريِّ الفتحَ إذا لم يتَقدَّمه حِسٌّ، فإن تقدَّمه حسٌّ فالكَسرُ، وقال: هذا كلامُ فُصحاءِ العَربِ.
          340- و«الجَرْعةُ» بفتحِ الجيمِ وسكونِ الرَّاء الشَّربةُ الواحدةُ من المَشروبِ، وقوله: «ما به حاجةٌ إلى هذه الجُرْعة»، و«الجَرْعة»، كذا قيَّدتُه على أبي بحر بالضمِّ، وعند غيرِه بالفتحِ، وبالضمِّ أوجَه؛ لأنَّه أرادَ الشَّربةَ الواحِدةَ من المَشروبِ.
          و«يوم الجَرعةِ» بفتحِ الجيم موضِعٌ بقربِ البَصرةِ، ذكَره مُسلمٌ.
          341- قوله: «فأرسلوا جَرِّيَّاً أو جَرِيَّينِ» [خ¦3364] قال الخليلُ: الجريُّ الرَّسولُ؛ لأنَّك تُجرِيه في حَوائجِك، وقال أبو عبيدٍ: هو الوكيلُ، قال ابنُ الأنباريِّ: الذي يتوكَّل عند القاضي وغيرِه، ومنه: «لا يَسْتَجْرِيَنَّكُمُ الشَّيطانُ»؛ أي: لا يستَتبِعنَّكم فيتَّخِذكم جَريَّاً كالوكيل، وقال السُّلميُّ: معناه لا يجرِيكُم فيه ويأخذُكم به، من قولهم: استجرَيْت دابَّتي، قال القاضي: وقد يصِحُّ أن يكون مُسهَّلاً من الجُرأةِ؛ أي: لا يحمِلنَّكم على الجُرأةِ والإقدامِ؛أي: لا يحمِلنَّكم على أن تتَكلَّموا بكلِّ ما جاءكم من القولِ وتشتَهوه؛ فإنَّما تَنطِقون على لسانه، ولكن قولوا بقَولِكم؛ أي: بالقَصدِ منه، نهاهُم عن الإفراطِ في المَدحِ، وروَاه قُطربٌ: «لا يستَحِيرَنَّكم» منَ الحَيرةِ، على وزن يَستَميلَنَّكم، وهو غيرُ محفوظٍ.
          قوله: «فجرتِ الأقلامُ مع الجِرْيةِ، وعال قَلَمُ زكريا الجِرْيةَ» [خ¦2685]، و«أمسكَ الله... جِريةَ الماء». [خ¦3401]
          وفي التَّفسير: «حَديدةُ الجِرْيةِ» [خ¦59/8-5029]، كلُّ هذا بكسرِ الجيمِ، يريد جَريَ الماءِ إلى أسفلَ.
          و«الجِرِّيُّ» [خ¦72/12-8175] هو الجِرِّيثُ، ضربٌ من الحِيتان، ذكَره ابنُ عبَّاس وأنَّ اليهودَ لا تأكُله، قال الخَطَّابيُّ: هو الأَنكَلِيسُ، نوعٌ من السَّمكِ شِبهُ الحيَّاتِ، وذكرَ غيرَه أنَّه نوعٌ عرِيضُ الوسطِ، دقيقُ الطَّرفين.
          وقوله: «أو صدَقَة جارِيَة»؛ أي: يجري نفعُها ويدومُ أجرُها.
          342- قوله: «جِرْو قِثَّاءٍ» صِغارُه، وقيل: الطَّويلُ منه، وقيل: الواحدُ منه؛ لقولِه في الحديث: «فكسَرتُه»، وهذا يدلُّ على كِبَره، وقوله: «وأَجْرٍ زُغْب» جمعُ أَجرَاءٍ، وأجراءٌ جمعُ جِرْوٍ، وقيل: «أَجْرٍ» جمعُ جَرْوٍ نَفسِه، / والجِرَاءُ جمعُ الجمعِ، والزُّغبُ عليها زُغبُها، وهذا يدلُّ على صِغَرها، ورُوِي في غيرِ هذه الأصُولِ: «وأَجنٍ زُغبٍ» بالنُّونِ، وفسَّرها الهرويُّ جمعُ جَنًى.


[1] الصَّوابُ من حيثُ النحوُ (متَسلِّطون).
[2] هكذا في (س) واختلفت الأصول في ضبط هذا الموضع، وقد نقل السمين الحلبي في كتابه «الدر المصون6/303» اللغات الواردة فيها فقال: (وفي هذه اللفظةِ لغاتٌ: يُقال: لا جِرَمَ بكسر الجيم، ولا جُرَم بضمِّها، ولا جَرَ، بحذف الميم، ولا ذا جَرَم، ولا إنَّ ذا جَرَم، ولا ذو جَرَم، ولا عن ذا جَرَم، ولا إنْ جَرَم، ولا عن جَرَم، ولا ذا جَرَ واللَّهِ لا أفعل ذلك). انتهى.
أما الزَّبيدي في «تاج العروس» مادة ج ر م فقال: (ولا جَرَمَ، ويقال: لا ذَا جَرَمَ، ولا | أَنْ ذا جَرَمَ، ولا عَنْ ذا جَرَمَ، ولا جَرَ، | بلا ميم،... ويُقال | أيضاً: لا جَرُمَ، كَكَرُمَ، ولا جُرْمَ، | بالضم). انتهى.
[3] في البخاري ░4739▒: «والحِسُّ والجَرْسُ».
[4] قال ابن حجر: التَّحقيقُ أنَّ الذي بالفتحِ اسم الآلةِ، وبالاسكانِ اسم الصَّوت. «فتح الباري» 6/142.