انتقاض الاعتراض

باب الفتيا وهو واقف على الدابة وغيرها

          ░23▒ قال (ح): قوله في الكلام على: (باب الفتيا وهو واقف على ظهر الدَّابة) أو غيرها:
          المراد بالدَّابة في اللُّغة: كلُّ ما مشى على وجه الأرض.
          وفي العرف: ما يُركب، وبعض أهل العرف خصَّها بالحمار، فإن قيل: ليس في سياق الحديث ذكر الرُّكوب، فالجواب: أنَّه أحال به على الطَّريق الأخرى التي أوردها في الحجِّ، فقال: كان على ناقته.
          قال (ع): بُعد هذا الجواب كبُعد الثَّرى مِن الثُّريا، وكيف يعقد بابًا(1)، ثمَّ يحال ما يطابق ذلك على حديث يأتي في باب آخر؟، انتهى.
          وهو كلام مَن / لم يمارس تراجم البخاري، فإنَّه يسلك هذه الطريقة جدًا حتَّى يكاد يكون مطابقته بالطريق الأخفى أكثر ممَّا يكون بالطَّريق الأجلى، ومراده بذلك: بعث النَّاظر في كتابه على تتبُّع الطُّرق وإبداء ما منه بأكثر اطلاعه، وكونه يحيل على حديث موجود في كتابه أقرب تناولًا ممَّا لو أحال به على لفظ لم يذكره في كتابه، وفي «الصَّحيح» مِن هذا النوع الثَّاني جملة كثيرة؛ بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه.
          والعجب أنَّ المذكور رجع وجوَّز ما استبعده وقرَّره على وجهٍ أبعد مِن الوجه الَّذي ذكره الشَّارح أنَّه قصدٌ(2)، وهو ظاهرٌ لمن راجع كلامه، وقد(3) أكثر في كتابه هذا مِن الأمرين: الإنكار على مَن يقول: أشار البخاري إلى ما ورد في بعض طرق الحديث، وإثبات ذلك بعينه في موضع آخر، لكن الأوَّل في كلامه أكثر.
          فمِن الثاني قوله: في كتاب الجمعة باب الدُّهْن للجمعة، فساق فيه رواية الزُّهْري عن طاوس عن ابن عبَّاس، وفيه ذكر الطيب دون الدُّهْن.
          قال (ع) معتذرًا: قد ذكر الدُّهْن في رواية إبراهيم بن مَيْسَرَةَ عن طَاوُس، وزيادة الثِّقة مقبولة؛ لأنَّ الحديث واحدٌ، وكأنَّهُ مذكور في رواية الزُّهْري تقديرًا، فإنْ(4) لم يكن صريحًا.


[1] في (س) و(ظ): «باب».
[2] في (د) و(س) و(ظ): «قصده».
[3] قوله: «قد» ليس في (س).
[4] في (س) و(د): «وإن».