انتقاض الاعتراض

باب قول المحدث: حدثنا أو أخبرنا

          ░4▒ قال (ح): في الكلام على: (باب قول المحدِّث: حدَّثنا وأخبرنا وأنبأنا)
          بعد أن حكى كلام مَن سوَّى بينها ومَن فرَّق: إنَّ التفريق بحسب الاصطلاح، وإلَّا فلا خلاف عند أهل العلم أنَّها سواء بالنِّسبة إلى اللُّغة عند إرادة الإعلام بالشيء، ومِن أدلَّة ذلك قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة:4] فإنَّها بمعنى: تخبر أخبارها، وقوله تعالى: {وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر:14] فهو بمعنى: ولا يخبرك مثل خبير.
          قال (ع): لا نسلِّم التَّسوية؛ لأنَّ الحديث هو القول، والإخبار هو الخبر بضمِّ وسكون، وهو المعلم(1) بالشِّيء، مِن خبرت الشيء أخبره خبرًا وخبرة، ومِن أين خبرت هذا؟ أي: علمته، وكلُّما ورد مِن لفظ الخبر وما يشتقُّ منه مِن القرآن والحديث وغيرهما فمعناه الأصلي هو العلم، وإنَّما استوت(2) هذه الألفاظ بالنسبة إلى الاصطلاح.
          قلت: الَّذي استدلَّ به لا ينهض لمدعاه كما لا يخفى، والجامع بينهما مِن حيث اللُّغة الإعلام.
          قال (ح) : في الكلام على قوله: وقال أبو العالية: عن ابن عباس عن النبيِّ صلعم / فيما يروي عن ربِّه...إلى أن قال: وأبو العالية المذكور هنا هو الرِّياحي، واسمه رُفيع بالتَّصغير، ومَن زعم أنَّه البرَّاء(3) _بالرَّاء المثقلة_ فقد وهم، فإنَّ الحديث المذكور معروف برواية الرِّياحي دونه.
          قال (ع): كلُّ منهما معروف بالرِّواية عن ابن عباس فترجيح أحدهما على الآخر برواية هذا الحديث عن ابن عباس يحتاج إلى دليل.
          وقوله: فإنَّ الحديث...إلى آخره، يحتاج إلى نقل أحدٍ ممَّن يُعتمد عليه.
          قلت: قد سبق النَّقل لكن بطريق الإشارة، وهي في(4) قوله: إنَّ المصنف وصله في التَّوحيد، فلو راجعه مِن ثَمَّ لما احتاج إلى طلب الدَّليل، ثمَّ تعبيره بقوله: وترجيح أحدهما فيه مناقشة، وفيه أنَّ يقول فيخصص(5) أحدهما، وما أفهمه قوله عن أحدٍ ممَّن يُعتمد عليه(6) أنَّ الشَّارح لا يعتمد عليه إساءةً ومخالفةً للأئمَّة مِن مشايخه(7) وأئمَّة عصره الَّذين شهدوا له بالاعتماد، وحسبي إذا رضيت عني كرام(8) عشيرتي.وممَّا يُتعجَّب منه أنَّ الشَّارح نقل في الكلام على حديث ابن عمر المذكور في الباب اختلاف ألفاظ النَّاقلين، كقوله: «حدَّثوني ما هي»، وأنَّ بعضهم ذكرها بلفظ: أخبرني، وبعضهم بلفظ: أنبؤني، وبيَّن نسبة كلِّ لفظة بمخرجها، فنقل (ع) الفصل كلَّه كما هو مقلِّدًا له في ذلك مُدَّعيًا لترك سبقه إلى مَن سبقه إليه(9)، لكن الله سبحانه وتعالى بمنِّه وفضله(10) أعان عليه؛ لأنَّه لما أكثر(11) مِن أخذ / كلامه وترك نسبته(12) إليه حتَّى يظنَّ مَن لم ينظر في كلام السَّابق أنَّه مِن تصرُّف اللَّاحق أكثر مِن الاعتراض على كلامه بكلِّ وجهٍ أدَّاه إليه فهمه، سواء كان الاعتراض موجهًا أو غير موجه، فتضمَّن ذلك اعترافه بأنَّ الذي نُوقش في كلامه سابق عليه، فإذا نظر في(13) ذلك مَن له أدنى فهمٌ عرف سَبْق الأوَّل، وأخذ الثَّاني كلامه نَهْبًا ومصالقةً، فكان كآكل خبز الشَّعير يستوعبه شبعًا(14) ثمَّ يدمه(15)، والله المستعان.


[1] في (د) و(س) و(ظ): «العلم».
[2] في (س) : «استواء»، وفي (ظ): «استوى».
[3] في غير (س): «البر».
[4] قوله: ((في)) زيادة من (س) و(ظ).
[5] في (س): «فتخصيص».
[6] قوله: ((عليه)) زيادة من (س).
[7] في (س): «مشائخه».
[8] قوله: ((كرام)) زيادة من (س).
[9] قوله: ((إليه)) زيادة من (س).
[10] في (س) : «وكرمه».
[11] في (د) و(س): «كثر».
[12] في (س) : «وتركه نسبة».
[13] قوله: «في» ليس في (س).
[14] قوله: ((شبعاً)) زيادة من (د) و(س).
[15] في (س) : «يذمه»، وفي (ظ): «يرمه».