انتقاض الاعتراض

باب الخطبة أيام منى

          ░132▒ (باب الخطبة(1) أيَّام منى)
          ذكر فيه حديث ابن عباس أنَّ النبيَّ صلعم خطب النَّاس يوم النَّحر.
          قال ابن المُنيِّر في الحاشية: إنَّهُ(2) أراد البُخاريُّ الردَّ على مَن زعم أنَّ يوم النحر لا خطبة فيه للحاج، وأنَّ المذكور في هذا الحديث مِن قبل الوصايا العامَّة لا على أنَّهُ مِن شعار الحجِّ، فأراد البُخاريُّ أن يبيِّن الرَّاوي سَمَّاها خطبة، كما سمَّى التي وقعت في عرفات خطبة، وقد اتَّفقوا على مشروعية الخطبة بعرفات فكأنَّهُ ألحق المختلف بالمتَّفق عليه.
          قال (ح): أيَّام منى أربعة: يوم النَّحر وثلاثة أيام بعده، / وليس في شيء مِن أحاديث هذا الباب التَّصريح بالخطبة إلَّا في حديث ابن عباس يوم النَّحر، نعم في حديث ابن عباس(3) لكن لعلَّه أشار إلى ما وقع في بعض الطُّرق كما في «مسند أحمد» مِن طريق أبي حرمة الرَّقَاشِيُّ عن عمِّه قال: أكنت آخذًا بزمام ناقة رسول اللَّه صلعم في أوسط(4) أيام التَّشريق...فذكر نحو حديث أبي بكرة، وأوسط أيام التشريق الحادي عشر أو الثاني عشر.
          ونحوه في حديث سَرَّاءَ بِنْتِ نَبْهَانَ: خطبنا رسول اللَّه صلعم يوم الرؤوس فقال: «أي يوم هذا...» الحديث، أخرجه أبو داود.
          قال (ع): أراد هذا القائل الرَّدَّ على الطَّحَاويِّ وَمَن قال بقوله؛ فإنَّهُ(5) قال: الخطبة المذكورة(6) يعني يوم النَّحر ليست مِن متعلَّقات الحجِّ؛ لأنَّهُ لم يذكر فيها شيئًا مِن أمور الحجِّ، وإنَّمَا ذكر فيها وصايا عامَّة، ولم ينقل أحد أنَّهُ علمهم فيها شيئًا مِن الذي متعلَّق(7) بيوم النَّحر فعرف أنَّهُ لم يقصد ليوم الحجِّ.
          وكذا قال ابن القصَّار مِن المالكية: إنَّمَا فعل ذلك مِن أجل تبليغ ما ذكره لكثرة الجمع الذي اجتمع مَن اجتمع مِن(8) أقاصي الدنيا فظنَّ الَّذي رآه أنَّهُ خطب.
          قال: وأمَّا ذكره الشَّافعي يعني أنَّ بالنَّاس حاجة إلى تعليم أسباب التَّحلل، فليس بمتعين؛ لأنَّهُ يمكنه أن يعلِّمهم إيَّاها يوم عرفة.
          قال (ح): وأُجيب بأنَّهُ صلعم حثَّهم في الخطبة المذكورة / على تعظيم يوم النحر، وعلى تعظيم شهر ذي الحجَّة، وعلى تعظيم الشَّهر الحرام، وقد جزم الصَّحابة بتسميتها خطبة فلا يُلتفت لتأويل غيرهم.
          وأمَّا قوله: كان(9) يمكنه تعليمهم يوم عرفة، فيعارض بمثله فيستغني عن الخطبة ثاني يوم النَّحر، وقد أثبتوها، بل كان يمكن تعليم جميع ذلك يوم التروية، ولكن لمَّا كان في كلِّ يوم أعمال ليست في غيره حسن تجديد التعليم.
          وقد ذكر الزُّهْري وهو عالم زمانه أنَّ(10) بني أميَّة نقلوا خطبة يوم النَّحر إلى ثاني يوم النَّحر، أخرجه ابنُ أبي شَيْبَةَ بسند صحيح عنه ولفظه: كان النبي صلعم يخطب يوم النَّحر فشغل الأمراء(11) يوم النَّحر فأخروه إلى الغد.
          وأمَّا قول الطَّحَاويِّ أنَّهُ لم ينقل أنَّهُ علمهم شيئًا مِن أسباب التَّحلل، فلا ينفي وقوع ذلك أو شيء منه في نفس الأمر؛ بل قد ثبت في حديث عبد اللَّه بن عمر، وقال صلعم قال للنَّاس حينئذ: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُم» ووعظهم بما وعظهم به، وأحال في تعليمهم على تلقِّي ذلك مِن أفعاله.وفيه أيضًا سؤال مَن سأل عن تقديم بعض المناسك على بعض كما ثبت ذلك في حديث ابن عبَّاس الذي صرَّح فيه بأنَّ ذلك كان(12) يوم النحر، فكيف ساغ للطَّحاويِّ هذا النَّفي المطلق مع روايته هو حديث عبد الله بن عمر؟!.
          وقال: وكيف ساغ لهذا القائل أن يحطَّ على الطَّحَاويِّ، وفهم كلامه على غير أصله فإنَّهُ لم ينف مطلقًا، وإنَّمَا أراد نفي دلالة حديث ابن / عبَّاس على وقوع الخطبة يوم النَّحر، وأمَّا سؤال السائل(13) عن تقديم بعض فإنَّمَا فيه سؤال وتعليم وليس ذلك خطبة.
          قال: وأمَّا قوله في حديث جابر عند أحمد: خطبنا رسول اللَّه صلعم يوم النحر فقال: «أَيُّ يَومٍ أَعظُمَ حُرمَةً...»الحديثَ، فإطلاق الخطبة في كلِّ(14) ذلك ليس على حقيقته فإنَّ قوله: «يا أيُّها النَّاسُ» خطاب لمن كان(15) معه حينئذٍ، ووصية للشَّاهد أن يبلِّغ الغائب.


[1] في (د): «خطبة».
[2] في (س): «أن أراد».
[3] قوله: «يوم النحر نعم في حديث ابن عباس» ليس في (س).
[4] في (س): «وسط».
[5] في (س): «فإنهم».
[6] في (س): «المذكور».
[7] في (س): «يتعلق».
[8] قوله: «اجتمع من» ليس في (س).
[9] قوله: «كان» ليس في (س).
[10] في (س): «أي».
[11] في (د): «الأمر».
[12] قوله: ((كان)) زيادة من (س).
[13] قوله: ((السائل)) زيادة من (س).
[14] قوله: ((كل)) زيادة من (س).
[15] قوله: ((كان)) زيادة من (س).