تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم

حديث: لا تبيعوا الثمر حتى يبدو صلاحه.

          1274- (العَرِيَّةُ) ذكر أصحابُ الغريبِ فيها أقوالاً منها:
          أنَّ العريَّةَ النَّخلةُ يُعْرِيْهَا صَاحِبُها رجلاً مُحتاجاً فيَجْعَلُ له ثمرَ عامِهَا، فرخَّصَ لصاحبِ النَّخلِ أن يشتريَ ثمرَ هذه النَّخلةِ من المُعْرَّى بثمنٍ معجَّلٍ يكون عِوضاً عن مقدارِ ما خُرِصَتْ به لما في ذلك من الرّفقِ، وتأوَّلَ من قال هذا ما جاء من الرُّخصَةِ في الحديثِ على هذا.
          وقِيلَ: العريَّةُ / النَّخلةُ المُستثْنَاةُ من النَّخلِ عند بيعِ ثَمَرِهَا، كأنَّها عُرِيَتْ؛ أي عُزِلَتْ عن المُسَاومةِ، والجمعُ العَرَايَا.
          وقيلَ: هي النخلةُ تكونُ في وسطِ نخلٍ كثيرٍ لرجلٍ آخرَ، فيتأذى صاحبُ النَّخلِ الكثيرِ بدخولِ صاحبِ هذه النَّخلةِ الواحدةِ في نخلِهِ، فرُخَّصَ له أن يشتريَ ثمرةَ هذه النخلةِ بتمرٍ. والقولُ الأولُ اختيارُ أبي عُبيدٍ؛ لقولِ الشاعر: [من الطويل]
وَلَكِنْ عَرَايَا فِي السِّنِيْنِ الجَّوَائِحِ
          وإنما عَوَّلَ أبو عُبَيْدٍ على تصحيحِ التَّسميةِ؛ لأنها إذا كانت مِلكاً له لم يصحَّ أن تُسمى عَرِيَّةً، وإلا فهُما يَستويان في دَفْعِ الضَّرَرِ واتِّفاقِ المنفعةِ لهما أو لأحدِهما. وقيل في تفسيرِ الرُّخصةِ في العَرَايَا: «إِنَّ النَّبِيَ صلعم نَهَى عَنْ المُزَابَنَةِ»، وهي بيعُ الثَّمرِ في رؤوسِ النَّخْلِ بالتَّمرِ، ورخَّصَ من جُمْلَةِ المُزَابَنَةِ في العَرايا، وهو أن من لا نخلَ له من ذوي القَرابةِ أو الحاجَةِ، يَفْضُلُ له من قُوْتِهِ التمرُ ويُدْرَكُ الرُّطَبُ، ولا نقدَ بيدهِ يشتري به الرُّطَبَ لعيالِهِ، ولا نَخْلَ له فيعطيهِ ذلكَ الفضلَ من التَّمْرِ بِثَمَرِ تلك النَّخَلاتِ ليُصِيْبَ من رُطَبِهَا مع النَّاسِ، فرخَّصَ من جملةِ ما حرَّمَ من المزابنَةِ في ما دونَ خمسةِ أَوْسُقٍ، كذا قال بعضُ أصحابِ الغريبِ، ولم يُراعِ لفظَةَ العَرايا؛ لأنَّ العريَّةَ بمعنى الهبةَ، ولا هبةَ في شيءٍ مما مثَّلهُ هذا القائلُ، والله أعلمُ بالمرادِ.
          وواحدةُ العَرايا: عَرِيَّةٌ فعيلةٌ بمعنى مفعولةٍ، ويُحتملُ أن تكون من عَرِيَ يَعْرَى، كأنها عُرِّيَتْ من جُملةِ التَّحريمِ فعَرِيَتْ، أي خرجَتْ فهي على هذا فعيلةٌ بمعنى فاعلةٍ، يُقالُ: هو عِروٌ من هذا الأمرِ، أي خِلوٌ منهُ، وبهذا يصحُّ التَّمثيلُ الذي مُثِّلَ في آخرِ الأقوالِ، إن لم يوجدْ ما يعارضُهُ.