النكت على صحيح البخاري

باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة ولكل امرئ ما نوى

          ░41▒ قوله: (بَابُ: مَا جَاءَ) أَي: باب بيان ما ورد دالًّا على أنَّ الأعمال الشرعية معتبرة بالنيَّة والحسبة، والمراد بالحسبة: طلب الثواب.
          ولم يأت حديث لفظه: الأعمال بالنية والحسبة، إنَّما استدلَّ بحديث عمر على أنَّ الأعمالَ بالنية، وبحديث أبي مسعود على أنَّ الأعمالَ بالحسبة.
          قوله: (فَدَخَلَ فِيْهِ) هو من مقول المصنف وليس بقيةً مما ورد، وقد أفصح ابن عساكر في روايته بذلك، فقال: <قال أبو عبد الله>، يعني: المصنف، والضمير في (فيه) يعود على الكلام المتقدم، وتوجيه / دخول النية في الإيمان على طريقة المصنف أنَّ الإيمان عَمَلٌ كما تقدم شرحه(1) .
          قوله: (وَالْوُضُوءُ) أشار به إلى خلاف من لم يشترط النية كما نُقِلَ عن الأوزاعي وأبي حنيفة وغيرهما، وحجتهم أنَّه ليس عبادة مستقلة بل وسيلة (2) إلى عبادة كالصلاة، ونُوقِضُوا بالتيمُّمِ فإنَّه وسيلة، وقد اشترط الحنفيَّةُ (3) فيه النية.
          وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ بِالْأَدِلَّةِ الصَّحِيحَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِوَعْدِ الثَّوَابِ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَصْدٍ يُمَيِّزُهُ عَنْ غَيْرِهِ لِيَحْصُلَ الثَّوَابُ الْمَوْعُودُ.
          وَأمَّا الصَّلَاةُ فَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهَا، وَأمَّا الزَّكَاةُ فَإنَّما تَسْقُطُ بِأَخْذِ السُّلْطَانِ وَلَوْ لَمْ يَنْوِ صَاحِبُ الْمَالِ؛ لأنَّ السُّلْطَانَ قَائِمٌ مَقَامَهُ.
          وَأمَّا الْحَجُّ فَإنَّما يَنْصَرِفُ إِلَى فَرْضِ مَنْ حَجَّ عَن غَيره لدَلِيل خَاصٍّ، وهو حديث ابن عباس في قصة شُبْرُمَةَ (4) ، وَأمَّا الصَّوْمُ فَأَشَارَ بِهِ إِلَى خِلَافِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ صِيَامَ رَمَضَانَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ؛ لأنَّه مُتَمَيِّزٌ بِنَفْسِهِ كَمَا نُقِلَ عَنْ زُفَرَ.
          وقدَّم المصنفُ الحجَّ على الصوم تمسُّكًا بما ورد عنده في حديث: ((بُنِيَ الْإِسْلَامُ)) وقد تقدَّم (5) .
          قوله: (وَالْأَحْكَامُ) أي: المعاملات التي يدخل فيها الاحتياج إلى المحاكمات، فيشمل البيوع والأنكحة والأقارير وغيرها، وكل صورة لم يشترط فيها النية فذاك لدليل خاص.
          وقد ذكر ابْنُ الْمُنِيِّرِ ضابطًا لما يشترط فيه النية مما لا يشترط، فقال: كلُّ عملٍ لا تظهر له فائدة عاجلة بل المقصود به طلب الثواب فالنية مشترطة فيه، وكل عمل ظهرت فائدته ناجزة وتعاطته (6) الطبيعة قبل الشريعة لملاءمة بينهما فلا تشترط النية فيه إلا لمن قصد بفعله معنى آخر يترتب عليه الثواب.
          قال: وإنَّما اختلف العلماء في بعض الصور من جهة تحقيق مناط التفرقة، قال: وأمَّا ما كان من المعاني المحضة كالخوف والرجاء فهذا لا يقال باشتراط النية فيه؛ لأنَّه لا يمكن أن يقع إلا مَنْوِيًّا، ومتى فُرضت النية مفقودة فيه استحالت حقيقة، فالنية فيه شرط عقلي، وكذلك / لا يشترط النية للنية فرارًا من التسلسل.
          قوله: (وَقَالَ اللهُ) قَالَ الكِرْمَانِيُّ: الظاهر أنَّها جملة حالية لا عطف.
          قوله: (عَلَى نِيَّتِهِ) تفسير منه لقوله: على شاكلته، بحذف أداة التفسير، وتفسير الشاكلة بالنية صحَّ عن الحسن البصري ومعاذِ بنِ قُرَّةَ المُزَنِيِّ وقتادةَ أخرجه عبد بن حميد والطبري عنهم.
          وعن مجاهد قال: الشاكلة الطريقة.
          قوله: (وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ) هو طرف من حديث لابن عباس أوله: ((لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ)) وقد وصلها في الجهاد وغيره من طريق طاوس عنه وسيأتي.


[1] في الحديث السابق رقم: (52).
[2] قوله: ((وسيلة)) بياض في الأصل.
[3] في الأصل: ((الحقيقة)).
[4] في الأصل: ((شبرة)).
[5] ح: (215).
[6] في الأصل: ((وتقاضته)).