النكت على صحيح البخاري

باب الصلاة من الإيمان

          ░30▒ قوله: (بَابٌ) هو مرفوع بتنوين وبغير تنوين.
          و(الصَّلَاةُ) مرفوع، وعلى التنوين فقوله: (وَقَوْلُ اللهِ) مرفوع عطفًا على الصلاة، وعلى عدمه مجرور مضاف.
          قوله: (يَعْنِي: صَلَاتَكُمْ) وقع التنصيص على هذا التفسير من الوجه الذي أخرج منه المصنف حديث الباب، فروى الطيالسي والنسائي من طريق شريك وغيره عن أبي إِسْحَاقَ، عن البراء في الحديث المذكور: ((فأنزل الله: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة:143] صَلَاتَكُمْ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ)).
          وعلى هذا فقول المصنف: (عِنْدَ الْبَيْتِ) مُشْكِلٌ، مع أنَّه ثابت عنه في جميع الروايات، ولا اختصاص لذلك بكونه عند البيت.
          وقد قيل: إنَّ فيه تصحيفًا، والصواب: يَعْنِي صَلَاتَكُمْ لِغَيْرِ الْبَيْتِ. وعندي أنَّه لا تصحيف فيه، بل هو صواب، ومقاصد البُخَارِيِّ في هذه الأمور دقيقة، وبيان ذلك: أنَّ العلماء اختلفوا في الجهة التي كان النبي صلعم يتوجَّه إليها للصلاة وهو بمكة؛ فقال ابن عباس وغيره: كَانَ يُصَلِّي إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَكِنَّهُ لَا يَسْتَدْبِرُ الْكَعْبَةَ بَلْ يَجْعَلُهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ.
          وأطلق آخرون: أنَّه كَانَ يُصَلِّي إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ.
          وقال آخرون: كَانَ يُصَلِّي إِلَى الْكَعْبَةَ فَلَمَّا تَحَوَّلَ إِلَى الْمَدِينَةِ اسْتَقْبَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وهذا ضعيف ويلزم منه دعوى النسخ مرتين، والأولُ أصحُّ؛ لأنَّه يجمع بين القولين، وقد صحَّحه الحاكم وغيره من حديث ابن عباس، فكأنَّ البُخَارِيَّ أراد الإشارة / إلى الجزم بالأرجح من أنَّ الصلاة لما كانت عند البيت كانت إلى بيت المقدس، واقتصر على ذلك اكتفاءً بالأولوية؛ لأنَّ صلاتهم إلى غير جهة البيت وهم عند البيت إذا كانت لا تضيع فأحرى ألا تضيع إذا بعدوا عنه.