النكت على صحيح البخاري

باب قول النبي: بني الإسلام على خمس

          ░1▒ قوله: (كِتَابُ الإِيمَانِ) هو خبرُ مبتدأ محذوف تقديره: هذا كتاب الإيمان. و(كِتَابُ) مصدر، يقال: كتب يكتب كتابة وكتابًا، ومادة كَتَبَ دالةٌ على الجمع والضم، ومنها الكتيبة والكتابة، استعملوا ذلك فيما يَجمع أشياءً من الأبواب والفصول الجامعة للمسائل، والضمُّ فيه بالنسبة إلى المكتوب من الحروف حقيقة، وبالنسبة إلى المعاني المرادة منها مجاز.
          والبَابُ موضوعه المدخل، فاستعماله في المعاني مَجاز.
          و(الإِيمَانُ) لغة: التصديق.
          وشرعًا: تصديق الرسول فيما جاء به عن ربه.
          وهذا القدر متفق عليه، ثم وقع الاختلاف: هل يشترط مع ذلك مزيد أمر من جهة إبداء هذا التصديق باللسان المعبِّر عما في القلب، إذ التصديقُ من أفعال القلوب، أو من جهة العمل بما صدق به من ذلك كفعل المأمورات وترك المنهيات كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.
          والإيمان فيما قيل: مشتق من الأمن، وفيه نظر لتباين مدلولي الأمن والتصديق إلا إن لُوحِظَ فيه معنىً مجازيٌّ، فَيُقَالُ: أمنه إذا صدقه، أي: أمَّنه التكذيب.
          ولم يستفتح المصنف بدء الوحي بكتاب؛ لأنَّ المقدمة لا تستفتح بما يستفتح به غيرها؛ لأنَّها تنطوي على ما يتعلق بما بعدها، واختلفت الروايات في تقديم البسملة على (كِتَابُ) أو تأخيرها، ولكل وجه، والأول ظاهر، ووجه الثاني _وعليه أكثر الروايات_ أنَّه جعل الترجمة قائمة مقام تسمية السورة، والأحاديث المذكورة بعد البسملة كالآيات مُستَفْتَحَةً بالبسملة.
          قوله: (بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلعم: بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ).
          سقط لفظ: (بَابُ) من رواية الأَصِيْلِيِّ، وقد وصل الحديث بعدُ تامًا، واقتصاره على طرفه من تسمية الشيء باسم بعضه، والمراد باب هذا الحديث.
          قوله: (وَهُوَ) أي الإيمان. (قَوْلٌ وَفِعْلٌ، وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ) وفي رواية الكُشْمِيْهَنِيِّ: <قَوْلٌ وَعَمَلٌ> وهو اللفظ الوارد عن السلف الذين أطلقوا ذلك، ووهم ابنُ التِّينِ فظنَّ أن قوله: (وَهُوَ...) إلى آخره مرفوع لما رآه (1) معطوفًا، وليس ذلك مراد المصنف، وإن كان ذلك ورد بإسناد ضعيف. والكلام / هنا في مقامين:
          أحدهما: كونه قولًا وعملًا.
          والثاني: كونه يزيد وينقص.
          فأمَّا القول، فالمراد به: النطق بالشهادتين.
          وأمَّا العمل، فالمراد به: ما هو أعم من عمل القلب والجوارح، ليدخل الاعتقاد والعبادات، ومراد من أدخل ذلك في تعريف الإيمان ومن نفاه إنَّما هو بالنظر إلى ما عند الله تعالى.
          فالسلف قالوا: هو اعتقاد القلب ونطق باللسان وعمل بالأركان، وأرادوا بذلك أن الأعمال شرط في كماله، ومن هنا نشأ لهم القول بالزيادة والنقص كما سيأتي.
          والْمُرْجِئَةُ قالوا: هو اعتقادٌ ونطقٌ فقط.
          والكَرَّامِيَّةُ قالوا: هو نطق فقط، والمعتزلة قالوا هو العمل والنطق والاعتقاد، والفارق بينهم وبين السلف أنَّهم جعلوا الأعمال شرطًا في صحته، والسلف جعلوها شرطًا في كماله.
          وهذا كله _كما قلنا_ بالنظر إلى ما عند الله، أمَّا بالنظر إلى ما عندنا فالإيمان هو: الإقرار فقط، فمن أقرَّ أُجريت عليه الأحكام في الدنيا ولم يُحكَم عليه بكفر إلا إن اقترن به فعل يدل على كُفره كالسجود للصنم، فإن كان الفعل لا يدلُّ على الكفر كالفسق فمن أطلق عليه الإيمان فبالنظر إلى إقراره، ومن نفى عنه الإيمان فبالنظر إلى كماله، ومن أطلق عليه الكفر فبالنظر إلى أنَّه فَعلَ فِعْلَ الكافر، ومن نفاه عنه فبالنظر إلى حقيقته، وأثبتت المعتزلة الواسطة فقالوا: الفاسق لا مؤمن ولا كافر.
          وأمَّا المقام الثاني: فذهب السلف إلى أن الإيمان يزيد وينقص، وأنكر ذلك أكثر المتكلمين، فقالوا: متى قُبِلَ ذلك كان شكًّا.
          قال الشيخ محي الدين: والأظهر المختار أن التصديق يزيد وينقص بكثرة النظر ووضوح الأدلة، ولهذا كان إيمان الصدِّيقين أقوى من إيمان غيرهم، بحيث لا يعتريه الشبهة.
          ويؤيده أنَّ كلَّ أحدٍ يعلم أنَّ ما في قلبه يتفاضل، حتى أنَّه يكون في بعض الأحيان أعظم يقينًا وإخلاصًا وتوكُّلًا منه في بعضها، وكذلك في التصديق والمعرفة بحسب ظهور البراهين وكثرتها، وما نُقِلَ عن السلف صرح به عبد الرزاق في «مصنفه» عن سفيان الثوري، ومالك بن أنس، والأوزاعي، وابن جريح، ومعمر وغيرهم، / وهؤلاء فقهاء الأمصار في عصرهم.
          وَكَذَا نَقَلَهُ أَبُو الْقَاسِمِ اللَّالَكَائِيُّ فِي «كِتَابِ السُّنَّةِ» عَنِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْه وَأَبِي عُبَيْدٍ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَرَوَى بِسَنَدِهِ الصَّحِيحِ عَنِ الْبُخَارِيِّ قَالَ: لَقِيتُ أَكْثَرَ مِنَ أَلْفِ رَجُلٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِالْأَمْصَارِ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ يَخْتَلِفُ فِي أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ.
          وَأَطْنَبَ ابن أَبِي حَاتِمٍ وَاللَّالَكَائِيُّ فِي نَقْلِ ذَلِكَ بِالْأَسَانِيدِ عَنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ.
          وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي «مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ»: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: سَمِعتُ الشَّافِعِيَّ يَقُول: الْإِيمَان قَول وَعمل ويزِيد وَيَنْقُصُ.
          ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ يَسْتَدِلُّ لِذَلِكَ بِآيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ مُصَرِّحَةٍ بِالزِّيَادَةِ، وَبِثُبُوتِهَا يَثْبُتُ الْمُقَابِلُ، فَإِنَّ كُلَّ قَابِلٍ لِلزِّيَادَةِ قَابِلٌ لِلنُّقْصَانِ ضَرُورَةً.
          قَوْلُهُ: (وَالْحُبُّ فِي اللهِ وَالْبُغْضُ فِي اللهِ مِنَ الْإِيمَانِ).
          هُوَ لَفْظُ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ، والتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ، وَسَيَأْتِي عِنْدَ الْمُصَنِّفِ (2) : ((آيَةُ الْإِيمَانِ حُبُّ الأنصَارِ))، وَاسْتُدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ؛ لأنَّ الْحُبَّ وَالْبُغْضَ يَتَفَاوَتَانِ.
          قَوْلُهُ: (وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ) أي: ابنُ عُمَيْرَةَ الكِنْدِيّ، وَهُوَ تَابِعِيٌّ مِنْ أَوْلَادِ الصَّحَابَةِ، وَكَانَ عَامِلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى الْجَزِيرَةِ فَلِذَلِكَ كَتَبَ إِلَيْهِ، وَالتَّعْلِيقُ الْمَذْكُورُ وَصَلَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي كِتَابِ «الْإِيمَانِ» لَهُمَا مِنْ طَرِيقِ عِيسَى بْنِ عَاصِمٍ: حَدَّثَنِي عَدِيُّ بْنُ عَدِيٍّ قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ لِلْإِيمَانِ فَرَائِضَ وَشَرَائِعَ.. إلى آخره.
          قوله: (فَإِنَّ لِلْإِيمَانِ فَرَائِضَ) كَذَا ثَبَتَ فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ بِاللَّامِ. و(فَرَائِضَ) بِالنَّصْبِ عَلَى أنَّها اسْم إنَّ، وَفِي رِوَايَة ابنِ عَسَاكِرَ: <فَإِنَّ الْإِيمَانَ فَرَائِضُ> عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ اسْمُ إِنَّ، وَفَرَائِضُ خَبَرُهَا، وَبِالْأَوَّلِ جَاءَ الْمَوْصُولُ الَّذِي أَشَرْنَا إِلَيْهِ.
          قوله: (فَرَائِضَ) أي: أَعْمَالًا مَفْرُوضَةً.
          و(شَرَائِعَ) أي: عَقَائِدَ دِينِيَّةً.
          و(حُدُودًا) أي: مَنْهِيَّاتٍ مَمْنُوعَةً.
          و(سُنَنًا) أي: مَنْدُوبَاتٍ.
          قوله: (فَإِنْ أَعِشْ فَسَأُبَيِّنُهَا) أي: أُبَيِّنُ تَفَارِيعَهَا لَا أُصُولَهَا؛ لأنَّ أُصُولَهَا كَانَت مَعْلُومَة لَهُم مُجْمَلَةً، عَلَى تَجْوِيزِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ؛ إِذِ الْحَاجَةُ هُنَا / لَمْ تَتَحَقَّقْ، وَالْغَرَضُ مِنْ هَذَا الْأَثَرِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ مِمَّنْ يَقُولُ بأنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ حَيْثُ قالَ: (اسْتَكْمَلَ)، و(لَمْ يَسْتَكْمِلْ).
          قَالَ الكِرْمَانِيُّ: وَهَذَا عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَأمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَقَدْ يُمْنَعُ ذَلِكَ؛ لأنَّه جَعَلَ الْإِيمَانَ غَيْرَ الْفَرَائِضِ.
          قُلْتُ: لَكِنَّ آخِرَ كَلَامِهِ يُشْعِرُ بِذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ: (فَمَنِ اسْتَكْمَلَهَا) أي: الْفَرَائِضَ وَمَا مَعَهَا. (فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ) وَبِهَذَا تَتَّفِقُ (3) الرِّوَايَتَانِ، فَالْمُرَادُ أنَّها مِنَ الْمُكَمِّلَاتِ؛ لأنَّ الشَّارِعَ أَطْلَقَ عَلَى مُكَمِّلَاتِ الْإِيمَانِ إِيمَانًا.
          قولُهُ: (وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ ◙: {وَلَكِنْ لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة:260]).
          أَشَارَ إِلَى تَفْسِيرِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ وَغَيرهمَا لهَذِهِ الْآيَة، فروى ابنُ جَرِيرٍ بِسَنَدِهِ الصَّحِيحِ إِلَى سَعِيدٍ قال: (قولُهُ:{لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} أَيْ: يَزْدَادَ يَقِينِي) وَعَنْ مُجَاهِدٍ قالَ: (لِأَزْدَادَ إِيمَانًا إِلَى إِيمَانِي)، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ مَعَ أَنَّ نَبِيَّنَا قَدْ أُمِرَ بِاتِّبَاعِ مِلَّتِهِ، كَانَ كَأنَّه ثَبَتَ عَنْ نَبِيِّنَا صلعم ذَلِكَ، وَإنَّما فَصَلَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ الْآيَاتِ الَّتِي قَبْلَهَا؛ لأنَّ الدَّلِيلَ يُؤْخَذُ مِنْ تِلْكَ بِالنَّصِّ وَمِنْ هَذِهِ بِالْإِشَارَةِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
          قَوْلُهُ: (وَقَالَ مُعَاذٌ) هو ابن جبل، وصرَّح بذلك الأَصِيْلِيُّ، والتعليق المذكور وصله أحمد وأبو بكر أيضًا بإسناد صحيح، وفي رواية لهما: كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يَقُولُ لِلرَّجُلِ مِنْ إِخْوَانِهِ: ((اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنْ سَاعَةً، فَيَجْلِسَانِ فَيَذْكُرَانِ اللهَ تَعَالَى وَيَحْمَدَانِهِ))، ووجه الدلالة منه ظاهر؛ لأنَّه لا يحمل على أصل للإيمان لكونه كان مؤمنًا، وأي مؤمن؟! وإنَّما يحمل على إرادة أنَّه يزداد إيمانًا بذكر الله تعالى.
          وقال القاضي أبو بكر بن العربي: لا تعلُّق فيه للزيادة؛ لأنَّ معاذًا إنَّما أراد تجديد الإيمان؛ لأنَّ العبد يؤمن في أول مرة فرضًا، ثم يكون أبدًا مُجدِّدًا كلما نظر أو فكَّر، وما نفاه أولًا أثبته آخرًا ؛ لأنَّ تجديد الإيمانِ إيمانٌ.
          قَوْلُهُ: (وَقَالَ ابنُ مَسْعُودٍ: الْيَقِينُ الْإِيمَانُ كُلُّهُ) هذا التعليق طرف من أثر وصله الطبراني بسند صحيح، وبقيته: ((وَالصَّبْرُ نِصْفُ الْإِيمَانِ))، وأخرجه أبو نُعيم في «الحلية» والبيهقي في «الزهد» من حديثه مرفوعًا، ولا يَثْبُت رفعه.
          وجرى المصنف على عادته في الاقتصار على ما يدل بالإشارة، وحذف ما يدل بالصراحة، إذ لفظ النصف صريح في التجزئة، وفي «الإيمان» / لأحمد من طريق عبد الله بن عُكَيْمٍ عن ابن مسعود أنَّه قال: كان يقول: ((اللَّهُمَّ زِدْنَا إِيمَانًا وَيَقِينًا وَفِقْهًا))، وإسناده صحيح، وهذا أصرح في المقصود، ولم يذكره المصنف لما أشرت إليه.
          قَوْلُهُ: (وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ.... إِلَى آَخِرِهِ).
          المراد بالتقوى: وقاية النفس عن الشرك والأعمال السيئة، والمواظبة على الأعمال الصالحة، وبهذا التقرير يصح استدلال المصنف.
          وقَوْلُهُ: (حَاكَ) بالمهملة والكاف الخفيفة، أي: تَردَّدَ، ففيه إشارة إلى أن بعض المؤمنين بلغ كُنْهَ الإيمان وحقيقته، وبعضهم لم يبلغ.
          وقد وَرَدَ معنى قول ابن عمر عند مسلم من حديث النُّوَاسِ مرفوعًا، وعند أحمد من حديث وَابِصَةَ، وحَسَّنَ التِّرْمِذِيُّ من حديث عطية السَّعدي قال: قال رسول الله عليه وسلم: ((لَا يَكُونُ الرَّجُلُ مِنَ الْمُتَّقِينَ حَتَّى يَدَعَ مَا لَا بَأْسَ بِهِ حَذَرًا لِمَا بِهِ الْبَأْسُ))، وليس فيها شيء على شرط المصنف فلهذا اقتصر على أثر ابن عمر.
          قَوْلُهُ: (قَالَ مُجَاهِدٌ) وصل هذا التعليق عبدُ بن حميد في «تفسيره»، والمراد أنَّ الذي تظاهرت عليه الأدلة من الكتاب والسنة هو شرعٌ للأنَّ بياء كلهم.
          تنبيه:
          قال شيخنا شيخ الإسلام: وقع (4) في أصل الصحيح في جميع الروايات: <في أثر مجاهد> هذا تصحيف قلَّ من تعرَّض لبيانه، وذلك أنَّ لفظه: (وقال مجاهد: {شَرَعَ لَكُم} [الشورى:13] أوصيناك يا محمد وإياه دينًا واحدًا) والصواب: أوصاك يا محمد وأنبياءَه، كذا أخرجه عبد بن حُميد والفريابي والطبري وابن المنذر في «تفاسيرهم»، وبه يستقيم الكلام، وكيف يفرد مجاهد الضمير لنوح وَحْدَهُ مع أنَّ في السياق ذكر جماعة. انتهى.
          ولا مانع من الإفراد في التفسير وإن كان لفظ الآية بالجمع على إرادة الْمُخَاطَبِ والباقون تبع، وإفراد الضمير لا يمتنع؛ لأنَّ نُوْحًا أفرد في الآية فلم يتعين التصحيف، وغاية ما ذكر من مجيء التفاسير بخلاف لفظه أن يكون مذكورًا عند المصنف بالمعنى، والله أعلم.
          قَوْلُهُ: (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) وصل هذا التعليق عبد الرزاق في «تفسيره» بسند صحيح.
          و(الْمِنْهَاجُ) السبيل، أي: الطريق الواضح.
          و(الشِّرْعَةُ) و(الشَّرِيْعَةُ) بمعنى، وقد شرع أي: سنَّ، فعلى هذا فيه لَفُّ وَنَشْرٌ غير مرتب.
          فإن قيل: هذا يدلُّ على اخْتِلَافٍ، / والذي قبله على اتحادٍ.
          أجيب: بأنَّ ذاك في الأصول وهذا في الفروع وهو الذي يدخله النسخ.


[1] في الأصل: ((رواه)).
[2] ح: (17).
[3] في الأصل: ((يتلفق)).
[4] في الأصل: ((رفع)).