النكت على صحيح البخاري

باب قيام ليلة القدر من الإيمان

          ░25▒ قَوْلُهُ: (بَابُ: قِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ مِنَ الْإِيمَانِ) لمَّا بيَّن علامات النفاق وقبَّحها رجع إلى ذكر علامات الإيمان وحسَّنها؛ لأنَّ الكلامَ على متعلقات الإيمان هو المقصود بالأصالة، وإنَّما يذكر متعلقات غيره استطرادًا، ثم رجع فذكر أنَّ قيامَ ليلة القدر وقيام رمضان وصيام رمضان من الإيمان، وأورد الثلاثة من حديث أبي هريرة مُتَّحِدَاتِ الباعث والجزاء، وعبَّر في ليلة القَدْر بالمضارع في الشرط وبالماضي في جوابه، بخلاف الآخرين فبالماضي فيهما، وأبدى الكِرْمَانِيُّ لذلك نكتة لطيفة قال: لأنَّ قيام رمضان محقق الوقوع، وكذا صيامه، بخلاف قيام ليلة القدر / فإنَّه غير متيقن، فلهذا ذكره بلفظ المستقبل، انتهى كلامه وفيه شيء ستأتي الإشارة إليه.
          وفي استعمال الشرط مضارعًا والجواب ماضيًا نزاعٌ بين النُّحاة، فمنعه الأكثر وأجازه آخرون لكن بقلة، واستدلوا بقوله تعالى: {إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ} [الشعراء:4] لأنَّ قوله: {فَظَلَّتْ} بلفظ الماضي، وهو تابع للجواب، وتابع الجواب جواب، واستدلوا أيضًا بهذا الحديث.
          وعندي في الاستدلال به نظر؛ لأنني أظنه من تصرف الرواة، فقد رواه النسائي عن محمد بن علي بن ميمون، عن أبي اليمان شيخ البُخَارِيِّ فيه فلم يغاير بين الشرط والجزاء، بل قال: ((مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ يُغْفَرُ لَهُ)). ورواه أبو نعيم في «المُسْتَخْرَجِ» عن سليمان_وهو الطبراني_ عن أحمد بن عبد الوهاب بن نَجْدة، عن أبي اليمان، ولفظه: ((لَا يَقُومُ أَحَدُكُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَيُوَافِقُهَا إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا إِلَّا غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)).
          وقوله في هذه الرواية: ((فَيُوَافِقُهَا)) زيادة بيان، وإلا فالجزاء مُرَتب على قيام ليلة القدر، ولا يصدق قيام ليلة إلا على من وافقها، والحصر المستفاد من النفي والإثبات مستفاد من الشرط والجزاء، فوضَّح أنَّ ذلك من تصرف الرواة بالمعنى؛ لأنَّ مخرج الحديث واحد، وسيأتي الكلام على ليلة القدر وعلى صيام رمضان وقيامه_إن شاء الله تعالى_ في كتاب الصيام.