انتقاض الاعتراض

باب يعذب الميت ببكاء أهله إذا كان النوح من سنته

          ░32▒ (باب يعذَّب الميِّت ببكاء أهله إذا كان النَّوح مِن سنَّته)
          قال (ح): قيَّد المصنِّف مطلق الحديث الوارد في / التَّعذيب بالبكاء على الميت بما ذكره، وفيه حمل لرواية ابن عباس المقيَّدة بالبعضية على رواية ابن عمر المطلقة.
          قال (ع): لا نسلِّم أنَّ التقييد مِن المصنِّف، بل هما حديثان أحدهما مطلقٌ والآخر مقيَّدٌ، وترجم بلفظ المقيَّد(1) تنبيهًا على أنَّ المطلق محمول عليه.
          قلت: مَن يصل في المكابرة إلى هذا الحدِّ يسقط معه الكلام فإنَّ التقييد بقوله: مِن سنَّته ليس هو التقييد بالبعضية في الحديث.
          قوله: «إن ابنًا لها(2) أتى النبي صلعم».
          قال (ح): كتب الدِّمياطيُّ بخطِّه في الحاشية أنَّ اسمه عليَّ بن أبي العاص بن ربيعة، وفيه نظر(3) ؛ لأنَّهُ لم يقع مسمَّى في شيء مِن طرق هذا الحديث وقد ذكر الزُّبير بن بكَّار وغيره مِن أهل العلم بالأخبار أنَّ عليًّا المذكور عاش حتَّى ناهز الحلم(4)، وأنَّ النبيَّ صلعم أردفه على راحلته يوم فتح مكَّة، ومثل هذا لا يُقال في حقِّه صبيٌّ لغةً ولا عُرفًا.
          وقد أخرج الحديث أبو داود مِن(5) رواية شعبة عن عاصم بلفظ: «إنَّ ابني أو ابنتي(6) قد حضر هذا» بالشَّكِّ.
          ولأحمد: «أُتي النبيُّ صلعم أمامة بنت زينب وهي لأبي العاص بن الرَّبيع».
          قال (ع): في نظره نظر؛ لأنَّهُ لا يلزم مِن عدم اطِّلاعه(7) على، إنَّمَا هو على(8) في طرق(9) هذا الحديث أنَّهُ(10) لا يطلع عليه(11) غيره في طريق مِن الطرق التي لم يطَّلع هو عليها(12) ومَن احتاط بجميع(13) طرق هذا الحديث وغيره(14)، والدِّمياطيُّ حافظٌ مُتْقِنٌ، وليس كذا(15) ذكر(16) مِن عنده؛ لأنَّ مثل هذا توقيفي(17) فلا دخل للعقل فيه فلو لم يطلع عليه لم يصرح به.
          وأمَّا قوله: لا يُقال له صبيٌّ عرفًا ليس كذلك؛ بل يُقال له صبيٌّ إلى أن يقرب مِن البلوغ عرفًا، وأمَّا اللُّغة فقال ابن سيده في «المحكم»: الصَّبي مِن لدن / يولد إلى أن يفطم.
          قلت: أمَّا لقصد(18) للدِّمياطي بالتَّجويز العقلي فلا(19) مدخل له في النَّقلي باعترافه، وأمَّا دعوى الإحاطة فيكفي في مثل هذا غلبة الظَّنِّ إذ لم يشترط أحد فيه القطع، ولو اشترط القطع لبطل أكثر الأحكام؛ لأنَّ الاحتمالات كثيرة جدًّا، وأمَّا جزمه بأنَّهُ لم يقله مِن عنده فيُرد عليه احتمال أنَّهُ استنبطه من أنَّهُم لم يذكروا لزينب ابنًا(20) غير علي، فتمسك في ذلك بأنَّهُ هو والرجوع في مثل هذا إلى أهل العلم بالنسب معمول به عند أهل النَّقل خصوصًا الزُّبير بن بكَّار فيما يتعلَّق بنسب قريش.
          ولم ينظر (ح) عليه إلَّا في قوله: «صبيٌّ» والذي يناهز الاحتلام إنَّمَا يُقال له غلام وقد سلم هو ذلك مِن حيث اللُّغة فعليه البيان فيما ادَّعاه مِن العرف الَّذي نفاه (ح).
          ولقد استوفى (ح) في هذا الموضع ما لا مزيد عليه في تجويز هذا المفهم، وأغار (ع) على أكثر ذلك غير ناسب لمَن أتعب فيه خاطره وأسهر فيه ناظره ممَّا يظهر ذلك لكلِّ مَن نظر في كلامهما(21) وما اكتفى بذلك حتَّى صار يعترض عليه بزعمه فصيَّره كخبز الشَّعير يأكله فوق الشَّبع ويقرب(22) ذلك بذمِّه، فالله المستعان.
                     تنبيه:
          قال ابن بطَّال: لما أورد البُخاريُّ هذا الحديث مِن وجه آخر لم يضبط الراَّوي فمرَّة قال: صبيَّة ومرَّة قال: صبيٌّ.
          وأجاب الكِرْمَانيُّ باحتمال التَّعدُّد.
          فاعترضه (ع) فقال: هو احتمال بعيد.


[1] في (س): «القيد».
[2] في (س): «له».
[3] في (د): «وقد نظر فيه».
[4] في (س): «الحكم».
[5] في (س): «ومن».
[6] قوله: «أو ابنتي» ليس في (س).
[7] قوله: «اطلاعه» ليس في (س).
[8] قوله: ((على)) زيادة من (س).
[9] في (س): «طريق».
[10] في (س): «أن لا».
[11] قوله: «عليه» ليس في (س).
[12] قوله: ((التي لم يطلع هو عليها)) زيادة من (س).تراجع الجمل في جميع النسخ.قوله: ((التي لم يطلع هو عليها)) ليس في(د).
[13] في (س): «جميع».
[14] في (س): «أن لا»، وفي (ظ):«أو غيره».
[15] قوله: «كذا» ليس في (س).
[16] في (س): «ذكره».
[17] في (س): «توفيقي».
[18] في (د): «أو غيره»، وفي (س): «نقضه».
[19] قوله: ((فلا)) زيادة من (د).
[20] في (س): «الزينب أنها».
[21] في (س) و(د): «كلاميهما».
[22] في (س): «ويقرن».