التلويح شرح الجامع الصحيح

باب قول الله تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا}

          ░23▒ بَابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتَامَى ظُلْمًا، إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا }[النساء:10].
          ذكر الطَّبري في تفسيره عن السُّدِّي: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتَامَى ظُلْمًا} يبعثون يوم القيامة ولهب النار يخرج من أفواههم، ومن مسامعهم، ومن آذانهم، وآنافهم، وأعينهم، يعرفهم كل من رآهم بأكله مال اليتيم.
          ومن حديث أبي هارون العَبْدي، عن أبي سعيد، قال: حدثنا النبي صلعم عن ليلة أُسريَ به قال: «فَنَظَرْتُ فَإِذَاْ بِقَوْمٍ لَهُمْ مَشَاْفِرُ كَمَشَاْفِرِ الإِبِلِ، وَلَقَدْ وُكِّلَ لَهُمْ مَنْ يَأْخُذُ بِمَشَاْفِرِهِمْ، ثُمَّ يَجْعَلُ فِيْ أَفْوَاْهِهِمْ صَخْرًا مِنْ نَاْرٍ تَخْرُجُ مِنْ أَسَاْفِلِهِمْ، قُلْتُ: يَاْ جِبْرِيْلُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَاْلَ: هَؤُلَاءِ الَّذِيْنَ يَأَكُلُوْنَ أَمْوَاْلَ اليَتَاْمَىْ».
          وعن زيد بن أسلم، قال: «قال لي: هَذِهِ لِأَهل الشِّرْكِ حِينَ كَانُوا لَا يُوَرِّثُونهُم، وَيَأكُلُونَ أَمْوَاْلَهُمْ».
          وقوله: (وَسَيُصْلَوْنَ) مأخوذ من الصَّلا والصِّلا والاصطلاء بالنار، وذلك التَّسخين بها، ثم استُعمل في كلِّ من باشر شدَّة أمر من الأمور؛ من حرب، أو قتال، أو غير ذلك. واختلفت القِراءة في ذلك، فقراءة عامَّة أهل المدينة والعراق: (وَسَيَصْلَوْنَ) بفتح الياء على التَّأويل الذي قلناه، وقرأ بعض الكوفيِّين وبعض المكيِّين: (وَسَيُصْلَوْنَ) بضمِّ الياء، يعني: يحرقون، من قولهم: شاة مصليَّة، يعني: مشويَّة، والفتح في ذلك أولى من الضمِّ.
          والسَّعِيْرُ: شدَّة حرِّ جهنَّم، ومنه قيل: (استعرت) الحرب، إذا اشتدت، وإنما هو (مسعورة). أي: موقودة مُشعِلة شديدًا حرُّها، ثم صُرِّف إلى سعير، فتأويل الكلام: وسيصلون نارًا مسعورة.
          وفي «الكشاف» لجار الله: لمَّا أكلوا ما يجرُّ إلى النَّار صار كأنَّه نار في الحقيقة، يقال: أكل في بطنه، وهو في بعض بطنه. و(سَعِيْرًا) نار من النِّيران مبهمة الوصف نعوذ بالله منها.