التلويح شرح الجامع الصحيح

حديث: غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم

          879-حَدَّثَنا عبدُ اللهِ بنُ يوسفَ، أخْبَرنا مالكٌ عنْ صَفْوَان بْن سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عنْ أَبِي سَعِيدٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: «غُسْلُ يَوْمِ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ».
          ولفظه في كتاب «الشهادات»: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلعم فذكره.
          وفي حديث شعبة عن أبي بكر بن المنكدر عن عمرو بن سُلَيْم عنه: «وَأَنْ يَسْتَنَّ، وَأَنْ يَمَسَّ طِيبًا إِنْ وَجَدَ» قَالَ عَمْرٌو: أَمَّا الغُسْلُ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ، وَأَمَّا الِاسْتِنَانُ وَالطِّيبُ، فَاللهُ أَعْلَمُ أَنَّه وَاجِبٌ هُوَ أَمْ لَا؟ وَلَكِنْ هَكَذَا فِي الحَدِيثِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: هُوَ أَخُو مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، وَلَمْ يُسَمَّ [خ¦858].
          وفي «كتاب الجمعة» لأبي عبد الرحمن: «الغُسْلُ يَوْمَ الجُمُعَةِ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ، وَالسِّوَاكُ، وَيَمَسَّ مِنَ الطِّيبِ مَا قَدِرَ عَلَيْهِ».
          وفي لفظ: «وَلَوْ مِنْ طِيْبِ المَرْأَةِ».
          وفي قوله: دلالة «على كل محتلم» دلالة لما بَوَّب له لقوله: وهل على الصبي شهود يوم الجمعة.
          وقوله: (أو عَلَى النِّسَاءِ) ذكر ابن التين عن أبي جعفر دليل سقوطها عن النساء، لأن أكثرهُنَّ إنما تجب عليها الفروض بالحيض لا الاحتلام.
          وفي «صحيح ابن خزيمة» من حديث جَدَّةِ إسماعيل بن عبد الرحمن بن عطية الأنصاري في حديث طويل فيه ذكر المبايعة «وألَّا جُمُعَةَ علينا»، وتردَّد ابن خزيمة في صحته.
          وفي «الموطآت» للدارقطني: وقال حمَّاد بن خالد الخياط عن مالك: وجب غسل الجمعة على كل محتلم كغسل الجنابة، زاد في «الغرائب»: لم يَقُلْه غير حماد وكان ثقة، ولكنه فيما يقال: كان أميًّا لا يكتب، قال: ورواه يحيى بن مالك عن أبيه بهذا السند مثله موقوفًا أَحْسِبُهُ سقط عن بعض الرواة ذِكْرُ النبيِّ صلعم.
          وقال في كتاب «العلل»: رواه إسحاق الطباع عن مالك فقال: عن الزهري عن عطاء ابن يزيد عن [أبي] سعيد وَوَهِمَ فيه، وحدَّث به أبو بكر بن أبي شيبة عن ابن عيينة عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار فَوَهِمَ فيه [والصواب عن صفوان بن سليم عن عطاء] أبو عبد الرحمن بن إسحاق عن صفوان فقال: عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة وأبي سعيد، ومنهم من قال عنه بالشك عن أحدهما، ورواه محمد بن عمرو بن علقمة عن صفوان عن عطاء بن يسار مرسلًا عن النبي صلعم، ورواه نافع القارئ عن صفوان عن أبي هريرة وَوَهِمَ فيه، والصحيح من ذلك قول من قال: عن صفوان عن ابن يسار عن أبي سعيد عن النبي صلعم، ولما ذكر حديث أبي بكر بن المنكدر قال: رواه سعيدُ بنُ هلال وبُكَيْرُ بنُ الأَشَجِّ عنه عن عمرو بن سُلَيْم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه / فَضَبَطَا إسناده وجَوَّداه، وهو الصحيح، يعني بذلك حديث مسلم فإنه رواه عن عمرو ابن سَوَّاد: حدَّثنا ابن وهب: أخبرنا عمرو بن الحارث أن سعيد بن أبي هلال وبُكير بن الأشج حَدَّثَاهُ عن أبي بكر بن المنكدر عن عمرو عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه إلا أن بُكَيْرًا لم يذكر عبد الرحمن، وكذا ذكره أبو داود والنسائي فَيُنَظر في كلام الدَّارَقُطْني على أن أبا سعيد الدمشقي أكَّد ما قلناه، فقال: رواه سعيد بن سلمة ابن أبي الحسام عن محمد بن المنكدر عن أخيه عن أبي بكر عن أبي سعيد مثل حديث شعبة وبكير، فهذا تصريح من أبي مسعود بأن حديث بكير كحديث شعبة الذي أسلفناه من عند البخاريِّ، ولهذا إنَّ ابن خزيمة لم يذكره إلا من حديث سعيد عن أبي بكر عن عبد الرحمن لم يُنْكِرْ بُكَيْرًا البتة.
          قال الدَّارَقُطْني: [واختلفوا] على شعبة، فقال الباغِنْدي: عن علي عن حَرْمي عنه عن أبي بكر عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه، ورواه عثمان بن حكيم عن عمرو بن سليم عن أبي سعيد ولم يصرِّح برفعه بل قال: من السنة أن يغتسل، ورواه زيد بن محمد فقال: عن محمد بن المنكدر عن جابر وَوَهِمَ فيه، وإنما رواه محمد عن أخيه أبي بكر بن المنكدر عن عمرو بن سُلَيْم، ولفظه في «علل ابن أبي حاتم»: «ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى المُسْلِمِ يَوْمَ الجُمُعَةِ: الغُسْلُ، والسِّواكُ، وَأَنْ يَمَسَّ طِيبًا إنْ وَجَدَ» وذكر عن شيخيه أن أيوب بن عتبة أخطأ فيه فرواه عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي سعيد، وإنما هو يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن رجل موقوف، ويشبه أن يكون العذر لتخريج البخاري حديث أبي بكر عن أبي سعيد من غير واسطة لتصريحه وشهادته بسماعه له من أبي سعيد على لسان ثقة، ويحمل على أنه رواه أولًا عنه ثم سمعه منه، وأنه رواه في حالتين، وأنه أكد أنَّ أحدًا ما سمع منه.
          وعِنْدَ مُسْلِمٍ عن أبي هريرة عَنِ النَّبِيِّ صلعم قَالَ: «حَقٌّ [لله] عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، يَغْسِلُ فِيهِ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ».
          وعند ابن حبان عن جابر مرفوعًا: «عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ غُسْلُ يَوْمٍ، وَهُوَ يَوْمُ الجُمُعَةِ». ولفظه في «علل أبي حاتم» وزعم أنه أخطأ «غُسْلُ يَوْمِ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» وقال ابن حزم: وكذا رويناه من حديث البراء بن عازب مسندًا، وعنده أيضًا عن أوس بن أويس: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلعم يَقُوْلُ: «مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ، وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، وَدَنَا مِنَ الإِمَامِ وَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا».
          ال ابن خزيمة لما خرَّجه: قوله: (جَامَعَ) معناه: غَسَّلَ واغْتَسَلَ، فأوجب الغسل على زوجته أو أمته [واغتسل]، ومن قال: [غسل واغتسل أراد] غسل رأسه، واغتسل أي: غسل سائر جسده، وعندهما أيضًا من حديث ابن إسحاق: حَدَّثَنا الزهري عن طاوس قال: قُلْتُ لِابنِ عَبَّاسٍ: زَعَمُوْا أَنَّ / رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: «اغْتَسِلُوا يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَاغْسِلُوا رُؤوسَكُمْ، إِلا أنْ تَكُونُوا جُنُبًا، وَمَسُّوا مِنَ الطِّيبِ» فَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: أَمَّا الطِّيبُ فَلا أَدْرِي، وَأَمَّا الغُسْلُ، فَنَعَمْ.
          ثم قَالَ ابن حبان: قَوْلُهُ: (إِلَّا أَنْ تَكُونُوا جُنُبًا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الِاغْتِسَالَ مِنْ [الجنابة] يَوْمَ الجُمُعَةِ بَعْدَ انْفِجَارِ الصُّبْحِ يُجْزِئُ عَنِ الِاغْتِسَالِ [للجمعة].
          وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ غُسلَ يَوْمِ الجُمُعَةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ، إِذْ لَوْ كَانَ فَرْضًا لَمْ يُجْزِئْ أَحَدُهُمَا عَنِ الآخَرِ.
          وعند ابن أبي شيبة: «أَوْصَانِي خَلِيلِي بِالغُسْلِ يَوْمَ الجُمُعَةِ» رواه من حديث الحسن عن أبي هريرة، ولفظه في «علل أبي حاتم»: قَالَ رسولُ اللهِ صلعم فِي جُمُعَةٍ مِنَ الجُمَع: «يَا مَعْشَرَ المُسْلِميْنَ، إنَّ هَذا يَوْمٌ جَعَلَهُ اللهُ عِيدًا، فاغْتَسِلُوا»، وقَالَ: وَهِمَ يزيدُ بْنُ سَعِيدٍ الأصبحي عن مالك، وإِنَّمَا يَرويه مالكٌ بِسَندٍ مُرسَلٍ.
          ومن حديث نافع عنه يرفعه: «مَنْ أَتَى الجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» ثم قال أبو حاتم: [فسمعت أبو زرعة يقول:] إِنَّمَا هُوَ عن نَافِعٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُنكَرٌ.
          أخبرنا المسند المعمر عبد المحسن بن أحمد _عُرِفَ بابن الصابوني_: حَدَّثَنا الإمام جدي أبو حامد محمد: أخبرنا ابن الحرستاني: أخبرنا علي بن المسلم: أخبرنا أبو نصر بن طلاب، قال أخبرنا ابن جُمَيْعٍ الصيداوي: أخبرنا أبو علي الحسين الوراق: حَدَّثَنا أحمد بن عمرو المُصْعَبِي: حَدَّثَنا عبد الله بن مصعب ابن بشر عن أبيه قال: خَطَبَنَا سَعيدُ بنُ عثمانَ بنِ عفان قَالَ: سمعت عثمان ☺: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: «مَنْ جَاءَ مِنْكُمُ الجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ».
          وروينا في «صحيح ابن خزيمة» عن عائشة ♦: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم يَغْتَسِلُ مِنْ أربعٍ: منَ الجَنَابَةِ، وَيَوْمَ الجُمُعَةِ، وَمِنَ الحِجَامَةِ، وَغُسْلِ المَيِّتِ» وصحح الحاكم إسناده، وقال البيهقي: رواته ثقات. وعند الدَّارَقُطْني: «الغسل من».
          وفي «تاريخ نيسابور»: قال محمد بن يحيى الذهلي: لا أعلم فيمن غَسَّلَ ميتًا حديثًا ثابتًا، ولو ثبت لَلَزِمَنا استعماله، وقال البخاري: حديث عائشة ♦ في هذا الباب ليس بذاك، وقال أبو داود: هو منسوخ وليس العمل عليه، وقال أحمد بن حنبل وعلي بن المديني: لا يصح في هذا الباب شيء.
          وعند أبي أحمد الجرجاني من طريق ضعيفة عن أنس بن مالك: أَنَّ النَّبِيَّ صلعم قَالَ لِأَصْحَابِهِ: «اغْتَسِلُوا يَوْمَ الجُمُعَةِ وَلَوْ كَانَتْ بِدِيْنَارٍ».
          وعند العُقَيْلِيِّ بسند ضعيف عن عائشة: أَنَّ النَّبِيَّ صلعم قَالَ: «الغُسْلُ يَوْمَ الجُمُعَةِ عَلَى مَنْ شَهِدَ الجُمُعَةَ».
          وعند ابن الجارود في «المنتقى» وابن خزيمة عن حفصة أمِّ المؤمنين ♦ أن النَّبِيَّ صلعم قَالَ: «عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ رَوَاحُ الجُمُعَةِ، وَعَلَى مَنْ رَاحَ الجُمُعَةَ الغُسْلُ».
          وعند ابن خزيمة عن عبد الله بن أبي قتادة قال: دَخَلَ عَلَيَّ أَبُو قَتَادَةَ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَأَنَا أَغْتَسِلُ، قَالَ: غُسْلُكَ هَذَا مِنْ جَنَابَةٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَعِدْ غُسْلًا آخَرَ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم يَقُولُ: «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ لَمْ يَزَلْ طَاهِرًا إِلَى الجُمُعَةِ الأُخْرَى». ولَمَّا خرَّجه الحاكم قال: صحيح على شرط الشيخين، وخرَّجه ابن حبان في «صحيحه» من حديث يحيى بن أبي كثير عن عبد الله / بن أبي قتادة: قَالَ: «دَخَلَ عَلَيَّ أَبُو سَعِيْدٍ» الحديثَ.
          وفي «مسند أحمد» عن أبي الدرداء يرفعه: «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، ثُمَّ لَبِسَ ثِيَابَهُ، ثُمَّ مَسَّ طِيبًا...» الحديثَ. وعن أبي أيوب يرفعه: «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إِنْ كَانَ لهُ، وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ» الحديثَ. وعند ابن أبي شيبة: حَدَّثَنا هُشَيْمٌ: حَدَّثَنا يزيد بن أبي زياد عن ابن أبي ليلى عن البراء، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: «إِنَّ مِنَ الحَقِّ عَلَى المُسْلِمِينَ أَنْ يَغْتَسِلَ أَحَدُهُمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَأَنْ يَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ طِيبٌ، فَإِنَّ المَاءَ لَهُ طِيبٌ».
          ومن حديث محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن رجل من الأنصار عن رجل من الصحابة عن النبي صلعم أنه قال: «ثَلَاثٌ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ: الغُسْلُ يَوْمَ الجُمُعَةِ» الحديثَ.
          ومن حديث الزهري قال: أَخْبَرَنِي ابنُ سَبَّاقٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ فِي جُمُعَةٍ مِنَ الجُمَعِ: «إِنَّ هَذَا يَوْمُ عِيدٍ، فَاغْتَسِلُوا».
          ومن حديث وَبْرَةَ عن همام بن الحارث قال عبد الله: «مِنَ السُّنَّةِ الغُسْلُ يَوْمَ الجُمُعَةِ».
          وفي «علل ابن أبي حاتم» عَنْ مِسْكِينٍ أَبِي فَاطِمَةَ، عَنْ حَوْشَب، عَنِ الحَسَن كَانَ أَبُو أُمَامة يَرْوِي عَنْ رَسُولِ الله صلعم: «إنَّ الغُسْلَ يومَ الجُمُعَةِ لَيَسُلُّ الخَطَايا مِنْ أُصُولِ الشَّعْرِ اسْتِلالًا». وقال: قَالَ أَبِي: هَذَا منكرٌ؛ الحَسَنُ عَنْ أَبِي أُمَامَة لا يجيءُ، ووَهنَ أمرُ مِسْكين عِنْدِي بِهَذَا الحَدِيثَ.
          ومن حديث القَاسِمِ عنه مرفوعًا: «اغْتَسِلُوا يَوْمَ الجُمُعَةِ» ثم قال: قَالَ أَبِي: رَوَاهُ عمرُ بن عبد الواحد، عَنْ يَحْيَى بْنِ الحَارِثِ، عَنِ القَاسِمِ، يَرْفَعُ الحديثَ وهو أشبَهُ.
          قوله: (أَيَّةُ سَاعَةٍ) هي تأنيث «أي»، هو يَسْتَفْهِمُ به يقول: أيّ شخص هو هذا؟ وأيّة امرأة هذه واسمها؟. و(السَّاعَةُ) اسم لجزء مخصوص من الزمان، وتَرِدُ على أنحاء أحدها: تطلق على جزء من أربعة وعشرين جزءًا هي مجموع اليوم والليلة، وتارةً تُطْلَقُ مجازًا على جزء ما غير مقدَّر من الزمان ولا يتحقق، وتارةً تطلق على الوقت الحاضر، ولأرباب النجوم والهندسة وضع آخر، وذلك أنهم يَقْسِمُون كل نهار وكل ليلة باثني عشر قسمًا سواء كان النهار طويلًا أو قصيرًا وكذلك الليل، ويُسَمُّونَ كلَّ ساعةٍ من هذه الأقسام ساعةً، فعلى هذا تكون الساعة تارة طويلة وتارة قصيرة على قدر النهار في طول النهار وقصره، ويسمُّون هذه الساعات المعوجَّة، وتلك الأولى المستقيمة، وهذا من أرشق الكنايات، فلما عَلِمَ عثمان مراده بِحِدَّةِ فهمه اعتذر.
          وقوله: (الوُضُوْء) ورُوِيَ: ”والوُضُوْء“، وهو يفيد العطف على الإنكار الأول.
          وقال القرطبي: الواو عوض عن همزة الاستفهام كما قرأ ابن كثير: ▬قالَ فِرْعَوْنُ وَآمَنْتُمْ بِهِ↨[الأعراف:123] ومع حذف الواو _إن صحت به الرواية_ فيكون إمَّا لأنه مبتدأ وخبره محذوف تقديره: الوضوء عُذْرُك أو كفايتك في هذا المقام، أو لأنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: الوضوء يقتصر عليه، ويجوز نصبه بإضمار فعل تقديره: فعلت الوضوء وحده أو توضأت / ، يعضده قوله: وقد علمت أن رسول الله صلعم كان يأمر بالغُسل، وتكون هذه الجملة حالًا منه، والعامل فيها الفعل المقدَّر، والعامل في الحال مع الرفع ما دل عليه مجموع الجملة المقدرة.
          وقوله: (أَيْضًا) منصوب، لأنه من آضَ يَئيض أيضًا عاد ورجع قاله يعقوب، كأنك أفدْتَ بذكرها الجمع بين الأمرين أو الأمور.
          وقوله: (يَأْمُرُ بِالغُسْلِ) وفي رواية ”أَمَرَنَا“ و”يَأْمُرُنَا“وهو ظاهر في الرفع، وآكد من قوله يأمر لعدم دلالته على صريح اللفظ على العموم.
          وقد اختلف العلماء هل _غسل يوم الجمعة_ سنة مؤكدة أو واجبة؟
          فمذهب أهل الظاهر إلى وجوبه، وحكاه الخطابي أيضًا عن مالك، والمعروف عنه أنه سنة، وإليه ذهب جمهور العلماء مستدلين بحديث عمر المذكور آنفًا، وبحديث عائشة الآتي من عند البخاري: كَانَ النَّاسُ يَنْتَابُونَ الجُمُعَةَ مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَمِنَ العَوَالِي، فَيَأْتُونَ فِي العَبَاءِ، فَيَخْرُجُ الرِّيحُ مِنْهُم، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صلعم: «لَوِ اغْتَسَلْتُمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ». وفي لفظٍ: «لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ» وفي لفظٍ: «كَانَ النَّاسُ مَهَنَةَ أَنْفُسِهِمْ، فَكَانُوا إِذَا رَاحُوا إِلَى الجُمُعَةِ، رَاحُوا فِي هَيْئَتِهِمْ فَقِيلَ لَهُمْ: لَوِ اغْتَسَلْتُمْ».
          وبما رواه الحافظ أبو بكر بن خزيمة في «صحيحه» وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ العِرَاقِ أَتَيَاهُ فَسَأَلَاهُ عَنِ الغُسْلِ يَوْمَ الجُمُعَةِ: أَوَاجِبٌ هُوَ؟ فَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: مَنِ اغْتَسَلَ فَهُوَ أَحْسَنُ وَأَطْهَرُ، وَسَأُخْبِرُكُمْ لِمَاذَا بَدَأَ الغُسْلُ: كَانَ النَّاسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلعم مُحْتَاجِينَ، يَلْبَسُونَ الصُّوفَ [ويسقون النخل على ظهورهم]، وَكَانَ المَسْجِدُ ضَيِّقًا مُقَارِبَ السَّقْفِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلعم يَوْمَ الجُمُعَةِ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ شَدِيدِ الحَرِّ، وَمِنْبَرُهُ قَصِيرٌ، إِنَّمَا هُوَ ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ، وَعَرِقَ النَّاسُ، فَثَارَتْ أَرْوَاحُهُمْ رِيحَ العَرَقِ وَالصُّوفِ حَتَّى كَانَ يُؤْذِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا، حَتَّى بَلَغَتْ أَرْوَاحُهُمْ رَسُولَ اللهِ صلعم وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِذَا كَانَ هَذَا اليَوْمُ فَاغْتَسِلُوا، وَلْيَمَسَّ أَحَدُكُمْ أَطْيَبَ مَا يَجِدُ مِنْ طِيبِهِ أَوْ دُهْنِهِ».
          وعند ابن حزم: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم رُبَّمَا اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَرُبَّمَا لَمْ يَغْتَسِلْ» وأعلَّه محمد بن معاوية النيسابوري.
          وعند ابن جُمَيْعٍ من حديثه أيضًا: «كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الجُمُعَةِ أَحْيَانًا وَيَذَرُ أَحْيَانًا».
          وعِنْدَ مُسْلِمٍ عن أبي هريرة: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: «مَنْ تَوَضَّأَ...» قَالَ الإِسْمَاعِيْلِيُّ: «في جُمُعَةٍ» حديث الأعمش: أبو معاوية قال: «مَنْ تَوَضَّأَ»، وجرير يقول: «اغتسل». وفي «صحيح ابن خزيمة» والترمذي والطُّوسي في نسخة، وفي أخرى حَسَنٌ.
          وعن الحسن عن سمرة عن النَّبِيِّ صلعم قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَبِهَا وَنِعْمَةٌ، وَمَنِ اغْتَسَلَ فَذَاكَ أَفْضَلُ».
          في «تاريخ البخاري» قال علي: [سماع الحسن] عن سمرة صحيح، ولما ذكر العَدَنيُّ / حديث سمرة هذا في مسنده أتْبَعَهُ بحديث حماد عن ثابت يزيد بن العلاء عن النبي صلعم مثله، وزعم شيخنا أبو محمد المنبجي _ومن خطه [نقلت]_ أنَّ ابن ماجه رواه من حديث جابر بن سمرة.
          وعند ابن حزم عن الحسن قال: «أُنْبِأنَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم كَانَ لَا يَغْتَسِلُ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَلَكِنْ كَانَ أَصْحَاْبُهُ يَغْتَسِلُوْنَ».
          وعند البزار عن أبي سعيد بمثل حديث سَمُرَةَ، وسنده حسن، ولا الالتفات إلى من أعلَّه بِأَسِيد بن زيدٍ الجَمَّال فإنه ممن خَرَّجَ حديثه البخاري، وأثنى عليه غير واحد.
          وعند ابن ماجه في «معجمه»: حَدَّثَنا محمد بن محمد بن عثمان الزبيري: حَدَّثَنا إبراهيم بن صالح الشيرازي: حَدَّثَنا محمد بن معاوية النيسابوري: حَدَّثَنا أبو المليح عن ميمون بن مِهران عن ابن عباس: «أَنَّ النَّبِيَّ صلعم كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الجُمُعَةِ أَحْيَانًا وَيَدَعُ أَحْيَانًا».
          وعند ابن ماجه من حديث إسماعيل بن مسلم المكي عن يزيد الرَّقَاشي عن أنس مثله مرفوعًا، وقال الشيخ ضياء الدين المقدسي فيما رويناه عنه: رواه حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بن مالك، وقال عبد الرحمن: سألت أبي عن حديثٍ رواه همام عن قتادة عن الحسن عن أنس يرفعه: «مَنْ تَوَضَّأَ فَبِهَا وَنِعْمَتْ». ورواه أَبَان عن قتادة عن الحسن: «أَنَّ النَّبِيَّ صلعم قَالَ» الحديثَ. أيُّها أصح؟ قال: جميعًا صحيحًا، همامٌ ثقة وَصَلَهُ، وأَبَانُ لم يوصله، ورواه الدَّارَقُطْني في كتاب «الأفراد والغرائب»: من حديث قتادة ومبارك والربيع بن صبيح عن الحسن عن أنس وقال: تفرَّد به علي بن الحسن السامي عنه بهذه الألفاظ واختلف عليه.
          وعند أبي أحمد من حديث الفضل بن المختار عن أبان عنه: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: «مِنْ جَاءَ مِنْكُمْ إِلَى الجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ، فَلَمَّا كَانَ الشِّتَاءُ قُلْنَا: يَا رَسُوْلَ اللهِ أَمَرْتَنَا بِالغُسُلِ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَقَدْ جَاءَ الشِّتَاءُ وَنَحْنُ نَجِدُ البَرْدَ فَقَالَ: مَنِ اغْتَسَلَ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنْ لَمْ يَغْتَسِلْ فَلَا حَرَجَ».
          ولما ذكر ابن [أبي] شيبة في (باب القائلين بأن الوضوء يجزئ من الغسل) قول أبي الشعثاء وإبراهيم وعطاء وأبي وائل والشعبي وأبي جعفر «لَيْسَ غُسْلٌ وَاجِبٌ إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ» قال: حَدَّثَنا علي بن هاشم عن [ابنِ] أبي ليلى عن عطية عن أبي سعيد عَنِ النَّبِيِّ صلعم قَالَ: «مَنْ تَطَهَّرَ فَأَحْسَنَ الطُّهُورَ، ثُمَّ أَتَى الجُمُعَةَ فَلَمْ يَلْهُ وَلَمْ يَجْهَلْ...» الحديثَ. وقالوا: قد قرن رَسُولُ اللهِ صلعم الغسل بالطيب والاستنان، وأجمع الجميع فيما ذكره الطحاوي والطبري أن تارك الطيب والاستنان غير حرج إذا لم يكن له رائحة مكروهة يؤذي بها أهل المسجد فكذلك حكم تارك الغسل لأن مخرج الأمر واحد، وقالوا: أعني القائلين بالسنة، وقالوا أيضًا: لو كان الغسل واجبًا لما تركه عثمان ولا أقرَّه عمر وسائر الصحابة على تركه / .
          قال ابن حزم: فمن أين لكم أن عمر لم يأمره بالرجوع للغسل؟ ومن أين لكم أن عثمان لم يكن اغتسل في صدر يومه، إذ ذلك عادة له كما ذكره مسلم عن حُمْرَانَ قال: «كُنْتُ أَضَعُ لِعُثْمَانَ طَهُورهُ فَمَا أَتَى عَلَيْهِ يَوْمٌ إِلَّا وَهُوَ يُفِيضُ الماء» ولو لم يكن الغسل واجبًا عند عمر لما قطع الخطبة منكرًا على عثمان حالفًا بالله ما هو بالوضوء. انتهى.
          لو كان عثمان سجيَّته الاغتسال كل يوم لَعُلِمَ ذلك منه، أو لكان مقوله لعمر، ولا يقول: ما زدت على أن توضأت، ويُحمل حديث مسلم على أن فعله ذاك كان بعد هذه الواقعة تنبيهًا لها أو في زمن خلافته، لأنه كان في زمن... لنفسه أشياء كما فعل في قصر الصلاة وغيره أيضًا، فمن أين لك يا أبا محمد أن حمران كان مملوكًا له يومئذ؟ وذلك شيء لا يقدر عليه ولو حرصت غاية الحرص، وذلك أنه كان مملوكًا للمسيَّب بن نجية أخذه من عين التمر ثم ابتاعه منه عثمان، وهذا يقتضي صيرورته إليه إما في أيام عمر أو في أيامه هو فلا دلالة إذًا بهذا، والله تعالى أعلم.
          وأيضًا فالغسل عنده وعند أبي يوسف إنما هو لليوم لا للصلاة، قال أبو محمد: بحيث لو صلَّى الجمعة والعصر ولم يغتسل إلا بعد ذلك أجزأه بحيث يبقى من قرص الشمس مقدار ما يتم غسله كله قبل الغروب، وأول وقته إثر طلوع الفجر من يوم الجمعة، وأفضله أن يكون متصلًا بالرَّواح إلى الجمعة، وهو لازم للحائض والنفساء كلزومه لغيرهما.
          قال أبو محمد: فإن قال قائل: قد رويتم مرفوعًا: «إِذَا رَاحَ أَحَدُكُمْ إِلَى الجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ»، و«إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْتِيَ الجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» قلنا: نعم، وهو نص قولنا، وإنما فيه أمر لمن جاء الجمعة بالغسل، وليس فيه أي وقت [لا بنصٍ ولا بدليل]، ولا إسقاط الغسل عن من لا يأتي إلى الجمعة، وقد يريد الرجل إتيان الجمعة من أول النهار. انتهى.
          قد أسلفنا صحيحًا حديث ابن عمر مرفوعًا: «وَمَنْ لَمْ يأتِ الجُمُعَةَ وَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ» وهو ردٌّ لما يقول ابن حزم ظاهر، والله أعلم.
          والاسْتِنَانُ والطِّيْبُ: الاستياك عند ابن حزم فرضان أول بالغ من الرجال والنساء، وهو الاستياك مأخوذ من السِّنِّ، يقال: سَنَنْتُ الحديد أي: حككته على المِسَنِّ، وقيل [له الإستنان]: لأنه يستاك على أسنانه.
          وفي «المُحْكَمِ»: سَننَّ أضْراسَه سَنًّا سَوَّكها كأنَّه صَقَلَها.
          وشُرِعَ الطِّيْبُ لأن الملائكة على أبواب المسجد يكتبون الأول فالأول، فيكون الإنسان مُطيَّبًا، لأنهم ربما صافحوه أو لامسوه.
          وفي «المصنف»: «وَكَانَ عُمَرَ يُجَمِّرُ ثِيَابَهُ [في] كُلِّ جُمُعَةٍ» وكذا رواه معاوية بن قرة عن ثلاثين رجلًا من مُزَيْنَةَ، وحكاه مجاهد عن ابن عباس وأبي سعيد وابن مغفل ومجاهد وابن عمر نحوه.
          واخْتُلِفَ في الاغتسال في السفر فممَّن كان يراه: عبد الله بن الحارث وطَلْق بن حبيب وأبو جعفر محمد بن علي بن الحسين وطلحة بن مُصَرِّف، وممن كان لا يراه / : علقمة وعبد الله بن عمر وابن جبير بن مطعم وابن مجاهد وطاوس والقاسم بن محمد والأسود وإياس بن معاوية، وعند مجاهد: إذا اغتسل يوم الجمعة بعد طلوع الفجر من الجنابة أجزأه من غسل الجمعة، وذكره أيضًا عطاء وأبو جعفر والحاكم والشعبي وابن عمر، فإن اغتسل ثم أحدث فعن النخعي يعيد غسله، وكذا ذكره طاوس، وأما عبد الرحمن بن أبزى وابن سيرين والحسن فقالوا: لا يعيد، ذكره ابن أبي شيبة.