التلويح شرح الجامع الصحيح

باب فرض الجمعة

          ░1▒ (بَابُ فَرْضِ الجُمُعَةِ)
          لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ، فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا البَيْعَ، ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[الجمعة:9].
          ذكر الأستاذ أبو القاسم الحسين بن محمد بن حبيب في كتاب «ترتيب التنزيل»: أن سورة الجمعة من أواخر ما نزل بالمدينة، وأنه لم ينزل بعدها إلا التغابن والفتح والتوبة والمائدة، وروينا عن يحيى بن زياد الفَرَّاء في كتاب «معاني القرآن العظيم» / أنه قال: خَفَّفَ الجمعةَ الأعمشُ، وثَقَّلَها عاصمٌ وأهل الحجاز، وفيها لغة يوم الجَمْعة وهي لغة بني عُقَيْل لو قُرِئَ بهما لكان صوابًا.
          ورُوِيَ عن ابن عباس أنه قال: إنما سُمِّي يوم الجمعة، لأن الله تعالى جمع فيه خلق آدم صلعم.
          وفي «المعاني» للزَّجَّاج: قُرِئَتِ الجُمِعَة بكسر الميم، ويجوز في اللغة الجمَعة بفتح الميم، ولا ينبغي أن يقرأ بها إلا أن تثبت بها روايةٌ عن إمام من القرَّاء.
          وذكر الأزهري في «التهذيب»: الأصل فيها التخفيف، فمن ثَقَّل أتبع الضمة الضمةَ، ومن خفَّف فعلى الأصل، والقرَّاء قرؤوها بالتثقيل، وفي «المُوعِبِ» لابن التَّيَّانيِّ: من قال: جُمْعَة فأسكن قال: جُمَعٌ، ومن قال: جُمُعَة قال: جُمُعَات، وفي «الأمالي» لثعلب: إنما سمي يوم الجمعة، لأن قريشًا كانت تجتمع إلى قصي في دار الندوة، وفي «الأنساب» للزبير بن بكار كانت تسمى العَروبة، وإن كعب بن لؤي كانوا يجتمعون إليه فيخطبهم ويعلِّمهم بخروج سيِّدنا سيِّد المخلوقين صلعم، وأنه من ولده، قال: فسمِّيت الجمعة بذلك.
          وفي «نوادر» اللِّحْياني: كان أبو زياد وأبو الجراح يقولان: مضت الجمعة بما فيها فيوحدان ويذكران، وعند الطبري سمي بذلك لاجتماع آدم فيه مع حواء في الأرض.
          وعند ابن خزيمة عن سلمان مرفوعًا: «يَا سَلْمَانُ مَا يَوْمُ الجُمُعَةِ؟ قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: بِهِ جُمِعَ أَبُوكَ أَوْ أَبُوكُمْ» الحديثَ.
          وفي «البلدان» لهشام بن محمد الكلبي: سُمِّيَتْ جُمُعَةً، لأن خلق آدم صلعم جُمِعَ فيها.
          وفي «سنن الدَّارَقُطْني» بسند ضعيف: «أَنَّ النَّبِيَّ صلعم كَتَبَ إِلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ يَأْمُرُهُ بِأَنْ يُجْمِعَ».
          ورواه أبو عروبة في «الأوائل» بسند صحيح عن سلمان بن موسى مرسلًا، وفي كتاب الداودي يسمى يوم الجمعة يوم القيامة، لأن القيامة تقوم فيه الناس.
          وقال ابن حزم: هو اسم إسلامي ولم يكن في الجاهلية، إنما كان يسمى في الجاهلية العَرُوبة فسمِّي في الإسلام الجمعة، لأنه يُجتمع فيه للصلاة اسمًا مأخوذًا من الجمع. انتهى.
          وفيه نظرٌ لما أسلفناه، وكأنه رأى ما في تفسير عبد الرحمن بن حميد: أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال: جمع أهل المدينة قبل أن يقدم فيه رسول الله صلعم المدينة، وقبل أن تنزل الجمعة، وهم الذين سمَّوها الجمعة، وذلك أن الأنصار قالوا: لليهود يوم يجتمعون فيه كل سبعة أيام، وكذا للنصارى فَهَلُمَّ فلنجعل يومًا نجتمع فيه ونذكر الله تعالى، ونصلي ونشكره فاجعلوه يوم العَروبة، وكانوا يسمُّون يوم الجمعة يوم العَروبة، فأجتمعوا إلى أسعد [بن زرارة] فصلَّى بهم يومئذ ركعتين وذكرهم فَسَمُّوا الجمعة حين اجتمعوا إليه وذبح لهم أسعد شاة فتغدَّوا وتَعَشَّوا من شاة [واحدة]، وذلك لقلَّتهم فأنزل الله في ذلك بعد: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ}[الجمعة:9]. انتهى. وهو لعمري عذر له، والله أعلم.