التلويح شرح الجامع الصحيح

باب: من أين تؤتى الجمعة؟

          ░15▒ (بَابُ مِنْ أَيْنَ تُؤْتَى الجُمُعَةُ؟ وَعَلَى مَنْ تَجِبُ؟)
          لِقَوْلِه تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ}[الجمعة:9] وَقَالَ عَطَاءٌ: إِذَا كُنْتَ فِي قَرْيَةٍ جَامِعَةٍ فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ، فَحَقٌّ عَلَيْكَ أَنْ تَشْهَدَهَا، سَمِعْتَ النِّدَاءَ أَوْ لَمْ تَسْمَعْهُ.
          وَكَانَ أَنَسٌ فِي قَصْرِهِ أَحْيَانًا يُجَمِّعُ وَأَحْيَانًا لَا يُجَمِّعُ، وَهُوَ بِالزَّاوِيَةِ عَلَى فَرْسَخَيْنِ.
          هذا التعليق رواه ابن أبي شيبة بنحوه كما سبق به في الباب.
          قيل: وبه قال النخعي وأبو عبد الرحمن السلمي والحكم وأبو هريرة.
          وعن أبي يوسف من ثلاثة فراسخ، وعنه إذا أمكنه المبيت في أهله، وهو اختيار كثير من الشيوخ لقوله صلعم: «الجُمُعَةُ عَلَى مَنْ آوَاهُ اللَّيْلُ إِلَى أَهْلِهِ» ضعَّفه الترمذي وغيره وقد تقدَّم.
          وعن أبي حنيفة: لا تجب إلا على ساكن المصر أو بعيدًا.
          وعن محمد: إذا كان بينه وبين المصر ميل أو ميلان أو ثلاثة [فعليه الجمعة] وهو قول مالك والليث.
          وفي «مُنية المفتي»: على أهل السواد الجمعة إذا كانوا على قدر فرسخٍ هو المختار، وعنه إذا كان أقل من فرسخين [تجب]، وعن معاذ تجب من خمسة عشر فرسخًا، وقيل: إذا سمع صوت النداء، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق لحديث ابن عمرو مرفوعًا: «الجُمُعَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ».
          ورُوِيَ أيضًا موقوفًا قال البيهقي: والذي رفعه ثقة وله شواهد، قال ابن المنذر: تجب عند ابن المنكدر وربيعة والزهري من أربعة أميال، وقال الزهري أيضًا: ستة أميال، وعن مالك والليث ثلاثة، وحكى أبو حامد عن عطاء عشرة أميال.
          وذكر البخاري بعد هذا حديث عائشة [خ¦902]: «كَانَ النَّاسُ يَتَنَاوَبُوْنَ الجُمُعَةَ مِنَ العَوَالِيْ» الحديثَ. وقد تقدم، وقال هنا في أول السند: حَدَّثَنا أحمد: حدَّثنا ابن وهب، قال أبو نعيم الأصبهاني: هو أحمد بن عبد الله / ، ثم روى الحديث هو والإسماعيلي من طريق أحمد بن عيسى المصري، عن ابن وهب.
          وقال الجيَّاني: نسبه ابن السكن أحمد بن صالح المصري، وقال الحاكم أبو عبد الله: قيل إنه ابن صالح المصري وقيل: ابن عيسى التُّستري، وقال الكلاباذي: قال أبو أحمد الحاكم: أحمد بن وهب في «الجامع» هو ابن أخي ابن وهب، قال الحاكم أبو عبد الله: من قال هذا وَهِمَ وغلط، دليله أن المشايخ الذين ترك البخاري الرواية عنهم في «الجامع» قد روى عنهم في سائر مصنفاته، وليس له عن ابن أخي ابن وهب رواية في موضع، فهذا يدل على أنه لم يكتب عنه، أو كتب عنه ثم ترك الرواية عنه.
          قال أبو نَصْر: قال ابن مَنْدَه: كلُّ ما قال البخاري في «الجامع»: حدثنا أحمد عن ابن وهب، فهو ابن صالح، ولم يخرِّج عن ابن أخي ابن وهب في «الصحيح»، وإذا حدث عن أحمد بن عيسى نَسَبَه.
          و(يَتَنَاوبُونَ) أي: يجيئون، والانتياب المجيء نوبًا، وأصله ما كان من قُربٍ كالفرسخ والفرسخين.
          وقولها: (فَيَأْتُونَ فِي الغُبَارِ) قال ابن قُرْقُولٍ: كذا رواه الفِربري، وحكاه الأَصِيلي عن النسفي، قال: وهو وهمٌ، والصواب: ”فيأتون في العَبَاء، ويصيبهم الغبار“ وقال: كذا هو عند القابسي.
          والعباءة والعَباية لغتان مشهورتان، والله أعلم.