تعليقة على صحيح البخاري

باب: الشفاء في ثلاث

          ░3▒ (بَابٌ: الشِّفَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ(1)).
          (شَرْبَةِ عَسَلٍ، وَشَرْطَةِ مِحْجَمٍ، وَكَيَّةِ نَارٍ، وَأَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الْكَيِّ...): وذلك أنَّ سائر الأمراض الامتلائية(2) إمَّا أن تكون دمويَّة أو صفراويَّة أو سوداويَّة أو بلغميَّة، فالأوَّل شفاؤه إخراج الدَّم، والثَّاني الإسهال / بما يليق بالخلط منها، فكأنَّه نبَّه بالعسل على المسهلات، وبالحجامة على الفصد(3) ، وإذا أعيا الدَّواء؛ فآخر الطِّبِّ الكيُّ.
          قوله: (ولا أُحِبُّ(4) أَنْ أَكْتَوِيَ): إشارة إلى أن يؤخر العلاج به حتَّى يدفع الضَّرورة إليه، ولا يوجد الشِّفاء إلَّا فيه؛ لما فيه من استعجال الألم الشَّديد في دفع ألم قد يكون أضعف من ألم الكيِّ، والعسل أنَّه يمنع من لسع الهوام ومن(5) السُّموم، ومن عضَّة الكلب، الكلب مضرَّته للصفراوين، ورفع مضرَّته بالخلِّ ونحوه، وهو في أكثر الأمراض والأحوال أنفع من السكر، وقد كان ◙ يشرب كلَّ يوم قدح عسل ممزوجًا على الرِّيق، وهي حكمة عجيبة في حفظ الصِّحَّة، ولا يعقلها إلَّا العالمون، وقال ◙: «من لعق العسل ثلاث غدوات في كلِّ شهر؛ لم يصبه عظيم من البلاء»، وكان بعد ذلك يغتذي بخبز الشَّعير مع الملح أو الخلِّ ونحوه، ويصير شظِف العيش، فلا يضره؛ لما سبق من شربه العسل على الرِّيق، وقد كان يراعي أمورًا في حفظه الصِّحَّة؛ منها: هذا، ومنها: تقليل الغذاء، وشرب المنقوعات والتَّطيُّب والادِّهان والاكتحال، فكان يغذي الدِّماغ بالمسك والقلبَ، وروح الكبد والقلب بماء العسل، وعن ابن عمر أنَّه كان إذا خرجت به قرحة أو شيء؛ لطخ الموضع بالعسل، وكان يقول: «عليكم بالشِّفاءين(6) ؛ القرآن والعسل»، قال ◙: «المبطون شهيد، ودواء المبطون(7) العسل»، وله أسماء فوق المئة؛ منها: الأري والسلوى والذوب والذواب والشهد والبسل.
          والنَّهي عن الكيِّ [على خمسة أضرب] : كيُّ الصَّحيح كفعل الأعاجم، ويجوز كيُّ المجروح، والعضو؛ إذا قطع، فهذا مأمور؛ كما يؤمر باتِّقاء الحرِّ والبرد، وقد كان عمران بن حصين به علَّة النَّاسور، فقد اكتوى، والنَّهي عن الكيِّ نهي كراهة، وتركه من غير علَّة أفضل، والحجامة تستفرغ الدَّم، وهو أعظم الأخلاط، والحجامة(8) شفاء، والعسل مسهل، ويدخل أيضًا في المتخومات المسهلة؛ ليحفظ على تلك الأدوية [قواها] ، وأمَّا الكيُّ؛ فإنَّما هو في الدَّاء العضال، والخلط الباغي الذي لا يقدر على حسم مادَّته إلَّا به، وقد وصفه الشَّارع، ثمَّ نهى عنه كراهة؛ لما فيه من الألم الشَّديد.


[1] كذا في (أ)، وفي «اليونينيَّة»: (ثلاث).
[2] في (أ): (الامتلاية).
[3] في (أ): (العضد).
[4] كذا في (أ)، وفي «اليونينيَّة»: (وما أحب).
[5] في (أ): (من).
[6] في (أ): (بالشفاء من).
[7] في (أ): (لبطون).
[8] في (أ): (الحجها).