مصابيح الجامع

باب الموادعة والمصالحة مع المشركين بالمال وغيره وإثم من لم يف

          ░12▒ (باب الْمُوَادَعَةِ وَالْمُصَالَحَةِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ بِالْمَالِ وَغَيْرِهِ): قال ابن المنيِّر: قد استشار الإمامُ أصحابَ مالك، وذكر أن الطَّاغية بذل مئة ألف دينارٍ على المتاركة عشرَ سنين، فأجمعَ رأيُ أصحابِ مالك على أن لا يُقبل منه (1)، وقالوا: بالمسلمين الآن قوةٌ، وبعَدُوِّهم ضعفٌ، ونخشى (2) أن يكون هذا المالُ سببًا لِثَبطِ (3) الغزاة والمرابطين بالسواحل، وتَفَلُّل جموعِهم، فيجد العدوُّ حينئذٍ القوةَ والفرصةَ، فرجعَ إلى رأيهم (4) هذا إذا بذل العدوُّ المالَ للمسلمين، فإن انعكست (5) القضيةُ، ودعت الضرورةُ، وظهرت (6) المصلحةُ، فالظاهر الجوازُ.
          وقد بذل النبيُّ صلعم لغطفان (7) ثُلثَ ثمر المدينة لينصرفوا بِمَن معهم إبقاءً على أهل المدينة؛ لأنَّ العربَ رَمَتهُم عن قوسٍ واحدة، فقال له سعد: يا رسول الله، أهذا شيء تصنعه؛ لأن الله أمركَ به، أو لأنك تحبه، فتصنعه لأجل ذلك، أم شيء تصنعه (8) لأجلنا؟ فقال: ((بل لأجلكم))، فقالوا: واللهِ، ما نعطيهم تمرةً واحدةً، وقد كنا في الجاهلية وقبلَ أن يُعزنا الله بالإسلام لا يَصلون إليه إلَّا بشراءٍ أو قِرىً، فترك النبيُّ صلعم ذلك، ولم يكن العقدُ انبرَمَ (9) فيه.
          وليس في ترجمة البخاريِّ تعرضٌ؛ لأن المال المبذول من جهة المسلمين، أو من جهة الكُفار، إلَّا أنه ساق حديثَ موادعةِ اليهودِ، ولم يكن بمالٍ أصلًا، وأمَّا الديةُ التي قام بها النبيُّ صلعم، فليست عن اليهود؛ لأن أصحاب الحقِّ نكلوا عن اليمين، والنَّاكلُ ليس له إلَّا استحلافُ المتَّهمين، فامتنعوا أيضًا من استحلافهم، وقالوا: لا نقبلُ أيمانَ قومٍ كفارٍ.
          وما كان البخاريُّ أرادَ إلَّا جوازَ (10) الأحوالِ كلِّها بحسب المصلحة، بمالٍ أو غيرهِ (11)، من أيِّ الجهتين كان المال، وقد صالح النبيُّ صلعم صلح الحديبية، وكان (12) الحَيْفُ من المشركين على المسلمين، ولهذا قال عُمر ☺: لِمَ نُعْطي (13) الدنيَّةَ في ديننا؟ فقال: ((سيجعلُ اللهُ لكم فَرَجًا ومَخْرَجًا)).


[1] في (ق): ((به)).
[2] في (ق): ((ويجتر)).
[3] في (ق): ((لتثبط)).
[4] في (ق): ((الفرصة في جميع أحوالهم)).
[5] في (ق): ((انعكس)).
[6] في (ق): ((ودعت)).
[7] في (د): ((العطفان)).
[8] في (ق): ((تجعله)).
[9] في (ق): ((آثر)).
[10] في (ق): ((أراد الأجود)).
[11] في (ق): ((وغيره)).
[12] في (ق): ((كان)).
[13] في (د): ((نعط)).