مصابيح الجامع

باب: إذا زكى رجل رجلًا كفاه

          ░16▒ (وَقَالَ أَبُو جَمِيلَةَ) بجيم مفتوحة.
          (وَجَدْتُ مَنْبُوذاً) أي: لَقيطاً، وهو صغير آدميٍّ، لم يُعلم أبواه ولا رِقُّه، كذلك عرَّفه شيخُنا ابن عرفة، قال: وقولُ ابن الحاجب تابعاً لابن شاس تابعاً للغزالي: هو طفلٌ ضائعٌ لا كافلَ له،يبطُلُ طردُه لطفلٍ كذلكَ معلومٍ أبوه؛ لأنه غيرُ لقيط؛ لانتفاء لازمه، وهو كون إرثه للمسلمين.
          (فَلَمَّا رَآنِّي عُمَرُ، قَالَ: عَسَى الْغُوَيرُ أَبْؤُسًا) هو مَثَلٌ سائر، قيل: لمَّا قتلت الزَّبَّاء جَذيمةَ الأبرشَ، أتى قيصرٌ إلى ابن أخيه، فقال له: افعلْ بي ما أقول لك: اجدعْ أنفي، واضربْ ظهري، ففعلَ ذلك به، فذهب إلى الزَّبَّاء، فقال لها: إنما فُعِل بي هذا من أجلك لما أشرتُ عليه بالمجيء إليك، فمكَّنَتْه، وأعطتْه مالًا، فسافر به، وذهب إلى صاحبهِ من (1) حيث لا تعلم الزَّبَّاء، فزاده في المال، وأتاها بربحٍ عظيم، وبجواهر وطُرَف، ثم تردد كذلك مرات، ثم اتخذ توابيتَ، وجعلها في الجوالق، وجعل رباط الجوالقِ من داخل الرجال في التوابيت، ومعهم السِّلاح، ورجع في طريق الغور غير الطريق الأولى، فلما قيل لها: رجع في الغور (2) _والغورُ: تهامةُ وما يلي اليمن_، قالت: عسى الغوير أبؤساً _صَغَّرت الغور، وأبؤساً: جمع بأس؛ مثل: فَلْس وأَفْلُس، وانتصبَ على أنه خبرٌ لـ((يكون)) محذوفة؛ أي: عسى الغُوَير أن يكون أبؤساً، فذهبت مثلاً_، ولما أقبل قيصرٌ سيق إليها، وقال: اطَّلعي على القصر لتنظري العير، فلما صَعِدَت، رأتِ الجمالَ تمشي مهلاً، فقالت:
مَا لِلْجِمَالِ مَشْيُهَا وَئِيدَا                     أَجَنْدَلًا يَحْمِلْنَ أَمْ حَدِيدَا
أَمْ صَرَفَاناً بَارِداً شَدِيدَا                     أَمِ الرِّجَالَ جُثَّما قُعُودَا
          ففتحوا التوابيت، وخرجوا فقتلوها.
          (كَأَنَّةُ يَتَّهِمُنِي) قال السفاقسي: وإنما اتهمه عمر أن يكون هو ألقاه، ثم أخذه ليكفله. انتهى.
          ووجهُ ضربهِ المثلَ المذكورَ: أن المعنى: عسى أن يكونَ باطنُ أمرِك رديًّا.
          (قَالَ عَرِيفِي) هو القَيِّمُ بأمور القبيلة والجماعة من الناس، يلي أمورَهم، ويعرِّفُ الأميرَ أحوالَهم (3).
          (إِنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ، قَالَ: كَذَلِكَ): هذا موضع الترجمة؛ فإن عمر ☺ اكتفى بقول العريف على ما يفهمه قوله: ((كذلك))، ولهذا قال: ((اذهبْ، وعلينا نفقتُه)).


[1] في (د) و(ج): ((وذهب به من)).
[2] من قوله: ((غير الطريق... إلى... قوله: الغور)): ليس في (ق).
[3] من قوله: ((قال عريفي... إلى... قوله: أحوالهم)): ليس في (د).