مصابيح الجامع

باب الشهادة على الأنساب والرضاع المستفيض والموت القديم

          ░7▒ (بابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الأَنْسَابِ، وَالرَّضَاعِ الْمُسْتَفِيضِ، وَالْمَوْتِ الْقَدِيمِ) قال ابنُ المنير: ترجم على الأنساب والرضاع والموت، وإنما ذكر الشَّواهد على الرضاع، وما عداه مَقيسٌ عليه.
          ووجه الاستدلال: أنَّ النبي صلعم بتَّ القولَ بأنه رضيعُ حمزة، وإن كان لم يدركِ الرضاع، وإنما سمعه سماعاً، وكذلك عائشةُ بتَّتِ القولَ بالرضاع في حق نفسِها، ولم تدرك ذلك إلا سماعاً، ومذهبُ مالك جوازُ شهادة (1) السماع في الوقف والموت (2) والملك، وشرط في ذلك: طولُ الزمان، وانقراضُ الحاضرين غالباً، وقال: خمس عشرة سنةً، وقيل: إن كان وباءٌ وانقراضٌ بسبب ظاهر، جاز في خمس عشرة سنةً.
          وأطلق النَّقَلةُ القولَ بذلك، وما أراه يشترط (3) ذلك في الموت، بل تجوزُ الشهادةُ به سماعاً على الفور؛ لأنه ليس مما يعاينه الجمهور غالباً (4)، وما أراه اشترط الطولَ / إلا في الملك والوقف، وكذلك الرضاع ما ينبغي اشتراطُ طولِ الزمان في قبولِ السماع الفاشي فيه، وكذلك النسب إذا اشتهر.
          قيل لابن القاسم: أيشهد أنك ابنُ القاسم من لا يعرف أَبَاك؟ قال: نعم.
          والأحاديثُ تدل على قبول شهادة السماع في الرضاع، وإن لم يطل الزمان جدًّا، فإنَّ سِنَّ عائشةَ عند وفاته ◙ إنما كان ثماني عشرة سنةً، ومع هذا كله (5) ثبت القولُ بسماع الرضاع في حقها. هذا كلامه ☼.
          قلت: فيه نظر من وجوه:
          أما أولاً: فتخصيصُه شهادةَ السماع بالوقف والموت والملْك ليس كما ينبغي (6)، فقد عدَّ أهلُ المذهب جملةً مستكثرةً من ذلك، كالولاية والعزل والتعديل والتجريح، والإِسلام والكفر، والرَّشد والسَّفَه، إلى غير ذلك، وينسب إلى القاضي أبي (7) الوليد بن رشد في عددها نظمٌ.
          فأما (8) ثانيًا: فإن قوله: وما أراه يشترط ذلك في الموت، بل تجوز الشهادة به سماعاً على الفور، مقتضٍ لجواز شهادة السماع فيه في بلد (9) الموت، أو ما هو قريبٌ منها، وليس كذلك، فقد قال الباجي: ما قَرُب، أو كان ببلدِ الموت، إنما الشهادة فيه على البَتِّ؛ لحصول العلم به بالسماع المتواتر.
          وقال شيخنا أبو عبد الله بنُ عرفة: مقتضى الروايات والأقوال: أن شهادة السماع القاصرة عن شهادة البَتِّ في القطع بالمشهود به يُشترط فيها كونُ المشهود به بحيث لا يُدرك بالقطع والبتِّ به عادة، وإن أمكن عادة البتُّ به، لم تجز فيه شهادة السماع، وهو مقتضى قول الباجي.
          وأما ثالثاً: فاستشهادُه على شهادة السماع في النسب وإن لم يطل الزمان بما ساقه من كلام ابن القاسم غيرُ محرَّر؛ لأن كلام ابنِ القاسم في السماع المفيد للعلم على ما صرَّح (10) به ابنُ الحاجب وغيره، وهو مرتفع عن شهادة السماع القاصر عن ذلك، وحيث يطلق الفقهاء شهادةَ السماع، فإنما مرادُهم الثاني لا الأول.


[1] ((شهادة)): ليست في (ج).
[2] في (د): ((في الوقف في الموت)).
[3] في (ج): ((وما أراده يشرط)).
[4] ((غالباً)): ليست في (ق).
[5] ((كله)): ليست في (ق).
[6] في (د): ((ينتفي)).
[7] ((أبي)): ليست في (ق).
[8] في (ق): ((وأما)).
[9] في (ق): ((في ملك)).
[10] في (د): ((ما هو مصرح)).