مصابيح الجامع

باب من رد أمر السفيه والضعيف العقل وإن لم يكن حجر عليه الإمام

          ░2▒ (بابُ مَنْ رَدَّ أَمْرَ السَّفِيهِ وَالضَّعِيفِ الْعَقْلِ).
          (وَيُذْكَرُ عَنْ جَابِرٍ أنَّ النَّبِيَّ صلعم رَدَّ عَلَى الْمُتَصَدِّقِ قَبْلَ النَّهْيِ، ثُمَّ نَهَاهُ) قال عبد الحق: مراده: حديثُ نُعَيْمِ بنِ النَّحَّامِ حين دَبَّرَ غلامَه، فباعه النبي صلعم في دَيْنِه.
          وقال غيره: بل أراد حديثَ جابرٍ في الداخلِ يومَ الجمعةِ، والنبيُّ صلعم يخطب، فأمرهم فتصدَّقوا عليه، فجاء في الجمعة الآتية، فأمر النبيُّ صلعم بالصدقة، فقام ذلك المتصدَّقُ عليه يتصدَّق بإحدى ثوبيه، فردَّه ╕، وهو حديثٌ ضعيفٌ رواه الدارقطني،ولهذا ذكره البخاري بصيغة التمريض.
          قال ابن المنيِّرِ: هذه الترجمة وما ساقه معها من محاسنهِ اللطيفة، وذلك (1) أن العلماء اختلفوا في سفيه الحال قبل الحكم، هل تُرَدُّ عقودُه؟
          واختلف قولُ مالكٍ في ذلك، فاختار البخاريُّ ردَّها، واستدل بحديث المدبَّر، وذكر قولَ مالك في ردِّ عتقِ المديانِ قبلَ الحجرِ إذا أحاط الدينُ بماله، ويلزم مالكاً ردُّ أفعالِ سفيه الحال؛ لأن الحجر في المديان والسفيه مُطَّرِد، ثم فهم البخاريُّ أنه يردُ عليه حديثُ الذي يُخْدَع؛ فإن النبي صلعم اطلع على أنه يُخدع، وأمضى أفعاله الماضية والمستقبلة، فنبَّه على أن الذي تُرد أفعالُه هو الظاهر السَّفَه (2)، البَيَّنُ الإضاعة، كإضاعةِ صاحب المدبَّر، وأن المخدوع في التبرع يمكنه الاحتراز، وقد نبَّهه الرسول ◙ على ذلك.
          ثم فهم (3) أنه يردُّ عليه كونُ النبي صلعم (4) أعطى صاحبَ المدبَّر ثمنَه، ولو كان بيعُه لأجل السَّفَه، لما سلَّم إليه الثمنَ، فنبَّه على أنَّه إنما أعطاه بعد أن أعلمه طريقَ الرشد، وأمره بالإصلاح والقيام بشأنه، وما كان السَّفهُ حينئذٍ فسقاً، وإنما كان لشيء من الغفلةِ وعدم البصيرة بمواقع المصالح، فلما بَيَّنَها، كفاه ذلك، ولو ظهر للنبي صلعم بعدَ ذلك أنه لم يَتَهَدَّ (5) ولم يرشُد، لمَنَعَهُ التصرفَ مطلقاً، وحجرَ عليه.


[1] في (ق): ((وذكر)).
[2] في (م) و(د): ((السفيه)).
[3] في (د) زيادة: ((البخاري)).
[4] في (د): ((أنه يرد عليه حديث الذي يخدع فإن النبي صلعم)).
[5] في (ج): ((لم ينهد)).