مصابيح الجامع

باب إذا قال: اكفني مؤنة النخل أو غيره وتشركني في الثمر

          ░5▒ (بابٌ: إِذَا قَالَ: اكْفِنِي مَؤُونَةَ النَّخْلِ أَوْ غَيْرِهِ، وَتَشْرَكُنِي فِي الثَّمَرِ): ((تشرَكني)) بفتح الراء، مضارع: شَرِكني بكسرها، وبضم حرف المضارعة وكسر الراء مضارع: أَشْرَكَ.
          قال ابن المنيِّرِ: أشار بالترجمة إلى صورة المساقاة، ونزَّلها ابنُ بطَّال على ذلك، وليس في الحديث حقيقتُها؛ لأن الرقابَ كانت ملكَ الأنصار، وهم أيضاً العمالُ عليها، فليس فيه إلا مجردُ تمليكهم (1) لإخوانهم بلا عِوَض، غير أنهم عرضوا عليهم الملكَ، ثم القسمة، فنزلوا عن الملك المتعلَّق بالرقبة إلى الثمرة، فكأنهم ساقوا نصيبهم المعروضَ عليهم بجزءٍ من الثمرة، وكان الجزء مبيَّناً إما بالنص أو بالعرف. والله أعلم.
          أو بأن إطلاق الشرك منزل على النصف، وهو مشهورُ مذهبِ مالك، ونزَّل تمكنهم من الملك منزلة الملك؛ لأن مَنْ ملكَ أن يملكَ يُعد مالكاً، ويجوز أن يكونوا قبلوا التمليك، ولم يقبلوا القسمة؛ لئلا يلزمهم مؤنة نصيبهم المعين حتى ينتفعوا، فاختار لهم (2) ◙ أن تبقى الشركة، ويعقدوا للمساقاة في نصيبهم، ويكون قوله ◙ (3) : ((لا)) إنما هو ردٌّ لطلب القسمة، لا للملك، وهذا (4) الأظهر في الاستدلال (5) به على المساقاة، والأقعدُ في غرض البخاري.
          قلت: ادعاؤه أن إطلاق الشرك منزَّلٌ على النصف، وهو مشهور مذهب مالك، فيه نظرٌ، ففي كتاب القِراض: إذا قارضه على أنَّ له شركاء في الربح، فالقراضُ فاسدٌ.
          وأيضًا بناؤه على قولهم: إن (6) مَنْ ملك أن يملك يُعد (7) مالكاً؛ غير مَرْضِيٍّ، فالقاعدة عند المحققين من أصحابنا واهية، وقد تعرض القرافي وغيرُه إلى بطلانها (8) بما يطولُ شرحه، فلينظر في محله.
          واعلم أنَّ نصَّ الحديث الذي ساقه في هذا الباب: قالَ (9) الأنصارُ للنبي صلعم: اقسمْ بيننا وبين إخواننا (10) النخلَ، قال: ((لا))، فقالوا: ((أتكفونا المؤونة ونشرككم (11) في الثمرة؟)) قالوا: سمعنا وأطعنا.
          ففهم ابنُ بطَّال أن الضمير في قوله: ((فقالوا)) مرادٌ به الأنصار، وضمير الخطاب من ((تكفونا))، و((نشرككم)) مرادٌ به المهاجرون؛ أي: فقالت الأنصار: تكفونا أيُّها المهاجرون مؤنة (12) العمل في النخيل، ويكون المتحصل من ثمرها مشتركاً بيننا وبينكم.
          وهذه عين المساقاة، وليس في اللفظ ما يأباه، وغايةُ الأمر أنهم لم يبينوا (13) مقدارَ الأنصباء التي وقع بها الاشتراك، والواقعةُ واقعةُ عَيْن، فيحتمل أن تسميةَ الأنصباء (14) وقعت، ولكن الراوي لم يذكرها لفظاً، أو كان نصيبُ العامل في المساقاة معلوماً عندهم (15) بالعرفِ المنضبط، فتركوا النصَّ عليه اعتماداً على ذلك العرف.
          وفهم (16) ابن المنيِّرِ أنَّ ضمير ((فقالوا)) للمهاجرين، وضمير الخطاب من ((تكفونا))، و((نشرككم)) للأنصار؛ أي: فلما أبى النَّبي صلعم من قَسْم رقاب النخل لمصلحة رآها، قال المهاجرون (17) : تكفونا أيها الأنصار مؤنةَ العمل في النخل (18) التي تصير لنا بالقسمة، واعملوا (19) في ((الكل)) ما كان يطير لنا، وما كان يطير لكم، ويكون شركاً لكم في الثمار التي تتحصل في الجمع (20)، فرضي المهاجرون بالثَّمرة فقط، وأعرضوا عن تملُّك الرقاب لما اقتضى رأيه ◙، وليس في هذا حقيقةُ المساقاة، فاحتاج ابن المنيِّرِ إلى صرف ذلك إلى المساقاة (21) بما قرَّره، وفيه تكلُّف لا يخفى.
          وما قاله ابن بطَّال خالٍ من ذلك كما رأيت، إلَّا أن يعتضد (22) ابن المنيِّرِ بوقوع ما ترجَّح فهمُه في طريق من طرق (23) الحديث، فتأمله.


[1] في (ق): ((تملكهم)).
[2] ((لهم)): ليست في (ق).
[3] من قوله: ((أن تبقى... إلى... قوله: ◙)): ليس في (د) و(ج).
[4] في (د) و(ج) زيادة: ((هو)).
[5] في (د): ((للاستدلال)).
[6] في (ق): ((على أن قولهم)).
[7] في (د): ((ويعد)).
[8] في (د): ((إبطالها)).
[9] في (ق): ((قالت)).
[10] في (د): ((أصحابنا)).
[11] في (م): ((ونشركم)).
[12] في (د): ((كفاية)).
[13] في (ق): ((يثبتوا)).
[14] من قوله: ((التي وقع... إلى... قوله: الأنصباء)): ليس في (د).
[15] ((عندهم)): ليست في (ج).
[16] في (د) و(ج): ((ووهم)).
[17] في (ق) زيادة: ((قد)).
[18] في (د): ((النخيل)).
[19] في (د): ((واعلموا)).
[20] في(د) و(ق) و(ج): ((الجميع)).
[21] ((فاحتاج ابن المُنَيِّرِ إلى صرف ذلك إلى المساقاة)): ليست في (ق).
[22] في (ق): ((يقصد)).
[23] في (ق): ((طريق)).