غاية التوضيح

باب قول الله تعالى: {أحل لكم صيد البحر}

          ░12▒ قولُهُ: (أَبُو بَكْرٍ) أيِ: الصِّدِّيقُ ☺ (الطَّافِي) وهو الذي يموت في البحر ويعلو فوق الماء ولا يرسب فيه حلالٌ، و(قَذرْتَ) بفتح الذَّال المُعجَمة وكسرها، و(الْجِرِّيُّ) بكسر الجيم والرَّاء المُشدَّدة وبتشديد التَّحتيَّة، وحُكِيَ فتحُ الجيم، ورُوِيَ <الجريت> بمُثنَّاةٍ فوقيَّةٍ بعد التَّحتيَّة: ضربٌ من السَّمك يشبه الحيَّاتِ، وقيل: سمكٌ لا قشرَ له، وقيل: نوعٌ عريضُ الوسط دقيقُ الطَّرفين.
          قولُهُ: (مَذْبُوحٌ) أي: ذبحَهُ اللهُ تعالى لكم، و(قِلَاتِ) بكسر القاف جمع قلة: نقرةٌ في صخرةٍ يستنقع فيها الماءُ، ومُرادُهُ ما ساقَ السَّيلُ من الماء وبقيَ في الغدير وفيه حيتانٌ.
          قولُهُ: (وَرَكِبَ الْحَسَنُ) أي: ابنُ عليٍّ ☻؛ لأنَّها طاهرةٌ يجوز أكلُها لدخولِها في عموم السَّمكِ، وكذا ما لم يُشبِهِ السَّمكَ المشهورَ كالخنزير والفرس؛ كذا في «القسطلانيِّ».
          قولُهُ: (بِالسُّلَحْفَاةِ) بضمِّ السِّين وفتح اللَّام وسكون الحاء من صيد البحر (نَصْرَانِي) بالجرِّ في الثَّلاثة، ورُوِيَ بالرَّفع على الفاعليَّة.
          قولُهُ: (المُرْي) بضمِّ الميم وسكون الرَّاء بعدها تحتيَّةٌ: ما يُؤتَدَم به؛ وهو أن يجعلَ في الخمر الملحَ والسَّمك، ويُوضَع في الشَّمس، فيتغيَّر عن طعم الخمر، و(النِّينَانُ) بكسر النُّون الأولى: جمعُ نونٍ؛ وهو الحوتُ، و(ذَبَحَ) بلفظ الماضي، و(الْخَمْرَ) مفعولٌ مُقدَّمٌ، و(النِّينانُ) فاعلٌ، والمعنى: أنَّ الحيتانَ مع الملح إذا خُلِطتْ في الخمر ووُضِعتْ في الشَّمس؛ صارتْ / هاضمةً للطَّعام، فكأنَّها ذُبِحت للخمر؛ أي: أبطلتْها؛ إذ لا حاجةَ إليها؛ لأنَّها تهضم مثل هضمها، أو يُقال: إنَّها غلبتْ على الخمر وأهلكَتْها وجعلتْها خلًّا.
          في «القسطلانيِّ»: وجميعُ ما يُصادُ من البحر ثلاثةٌ: الحيتانُ وجميعُ أنواعِها حلالٌ، ولا فرقَ بين أن تموتَ بسببٍ أو بغير سببٍ، وعند أبي حنيفةَ: لا تحلُّ إلَّا أن تموتَ بسببٍ؛ من وقوعٍ على حجرٍ، أوِ انحسارِ ماءٍ عنه، والضَّفادعُ وجميعُ أنواعِها حرامٌ، واختُلِف فيما سوى هذين؛ فقال أبو حنيفةَ ☼ : حرامٌ، وقال الأكثرون: حلالٌ؛ لعمومِ قولِهِ تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ}؛ الآية [المائدة:96] و(طَعامُهُ) في الآية(1) بمعنى الإطعام؛ أي: إطعامُكم إيَّاهُ أنفسَكم، وقيل: إنَّ ميتَ البحرِ كلَّهُ حلالٌ؛ لأنَّ كلَّها سمكٌ وإن اختلف صورتُها كالجِرِّيِّ، وهو قولُ مالكٍ وظاهر مذهب الشَّافعيِّ، وذهب قومٌ إلى أنَّ ما لهُ نظيرٌ في البرِّ حرامٌ(2)؛ ككلب الماء(3) والخنزير، وكذا حمارُ الوحش وإن كان له شبهٌ في البرِّ حلالٌ وهو حمارُ الوحش؛ لأنَّ منها ما هو حرامٌ وهو حمارُ الأهليِّ؛ تغليبًا للتَّحريم انتهى


[1] زيد في الأصل: (وطعامه في الآية)، وهو تكرارٌ.
[2] زيد في الأصل: (حرامٌ)، وهو تكرارٌ.
[3] زيد في الأصل: (الماء)، وهو تكرارٌ.