غاية التوضيح

باب: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها}

          ░23▒ (بَابُ الظِّهَارِ)
          [قولُهُ]: (مِنَ النِّسَاءِ) منشأُ الخلافِ هل تدخل الأَمَةُ في قولِهِ: {مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة:2]؟ قال في «التَّوضيح»: ولا شكَّ أنَّها من النِّساء لغةً، لكنَّ العُرفَ خصَّصَ هذا اللَّفظَ بالزَّوجات؛ كذا في «القسطلانيِّ».
          قولُهُ: (وَفِي الْعَرَبِيَّةِ) أي: يُستَعمَل في كلام العرب (عاد له) بمعنى (عاد فيه)؛ أي: نقضَهُ وأبطلَهُ، فمعنى قولِهِ تعالى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة:3]: ثمَّ ينقضون قولَهمُ الأوَّلَ، وهو الظَّاهرُ؛ أي: يرجعون عنِ الظِّهار ويريدون الجماعَ بزوجاتِهم بعدما يُظاهِرون، وهذا أَولى ممَّا قالتِ الظَّاهريَّةُ من أنَّ العَودَ تكرارُ الظِّهارِ، وهو قولُ الرَّجلِ ثانيًا: أنتِ عليَّ كظهرِ أمِّي، فلا تلزم الكفَّارةُ بالقول الأوَّلِ، وإنَّما تلزمُ بالثَّاني، فلو كان المُرادُ بالعَود تكرارَ الظِّهارِ؛ لزمَ أن يكونَ اللهُ ╡ دالًّا وهاديًا إلى المُنكَر وقولِ الزُّورِ المُشارِ إليه في الآية بقولِهِ تعالى: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة:2] تعالى عن ذلك، وجعلَ العَودَ / أوِ الكفَّارةَ طريقَ الحِلِّ للمُظاهرِ بقولِهِ تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}؛ الآية [المجادلة:3].
          أقول: هذا إنَّما يتمُّ لو كان مذهبُ الظَّاهريَّةِ أن تُحرَّمَ الزَّوجةُ لم تُحرَّم بالظِّهار الواحد أصلًا، وإنَّما تُحرَّم بالتَّكرار، وتحلُّ بعد التَّكرار بالكفَّارة؛ فلا، واللهُ أعلمُ بحقيقة الحال.