التلويح شرح الجامع الصحيح

باب الصلاة قبل المغرب

          ░35▒ بَابُ الصَّلَاةِ قَبْلَ المَغرِبِ
          ذكر حديث ابن بُرَيدة: حدثني عَبْدُ اللهِ المُزَنِيُّ، يرفعه: «صَلُّوا قَبْلَ صَلَاةِ المَغْرِبِ» [خ¦1183] الحديث المتقدم في «باب: كم بين الأذان والإقامة».
          وعند الإسماعيلي: قال محمد بن عبيد بن حساب، عن عبد الله المزني، كنيته ونسبته لا أدري: ابن مُغَفَّل أو ابن معقل.
          وقال البيهقي: رواه حَيَّان بن عبيد الله، عن عبد الله بن بريدة، وأخطأ في إسناده، وأتى بزيادة لم يتابع عليها، فقال: حدثني عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال رسول الله صلعم: «إن عند كل أذانين ركعتين ما خلا المغرب».
          أخبرنا أبو عبد الله الحافظ: أخبرني محمد بن إسماعيل، قال: حدَّثنا أبو بكر بن خزيمة على أثر هذا الحديث: حَيَّان بن عبيد الله قد أخطأ في هذا الإسناد؛ لأن كَهْمَس بن الحسن وسعيد الجريري وعبد المؤمن العَتَكِي رووا الخبر عن ابن بريدة عن ابن مغفَّل، لا عن أبيه، وهذا علمي من الجنس الذي كان الشافعي يقول: أخذ طريق المجرة، فهذا الشيخ لما رأى أخبار ابن بُرَيدة عن أبيه توهَّم أن هذا الخبر هو أيضًا عن أبيه، ولعلَّه لمَّا رأى العامة لا تصلي / قبل المغرب، توهَّم أنه لا يُصلَّى قبل المغرب، فزاد هذه الكلمة في الخبر.
          وازداد علمنا بأن هذه الرواية خطأ أن ابن المبارك قال في حديثه عن كَهْمَس: وكان ابن بريدة يصلي قبل المغرب ركعتين، فلو كان ابن بريدة قد سمع من أبيه عن رسول الله صلعم هذا الاستثناء الذي زاده حَيَّان: «ما خلا صلاة المغرب» لم يكن يخالف خبر النبي صلعم. انتهى.
          حيَّانُ هذا: ذكره ابن حبان في كتاب «الثقات»، ولما خرَّج البزار حديثَه هذا في كتاب «السنن» قال: مشهور ليس به بأس.
          وقال أبو حاتم الرازي: صدوق.
          روى عنه أبو داود، وعبيد الله بن موسى، ومسلم بن إبراهيم، وموسى بن إسماعيل، ولا التفات إلى قول أبي محمد بن حزم: هو مجهول، مع هذا، ويشبه أن يكون ظنَّه حيان بن عبيد الله المَروزي، فإن ذاك جهِّل.
          وقال عبد العزيز بن إبراهيم بن بَزِيزَة: قال أبو عمر الطَّلَمَنكي: هذه الزيادة ضعيفة، وقد صححها بعض الحفاظ، وروينا عن ابن شاهين أنه استدلَّ على نسخ عموم حديث ابن مغفل بهذا الحديث.
          ويزيده وضوحًا ما رواه أبو داود في «سننه» من حديث شعبة، عن أبي شعيب، عن طاوس: سُئِلَ ابن عمر عن الركعتين قبل المغرب فقال: ما رأيت أحدًا على عهد رسول الله صلعم يصليهما.
          وسنده صحيح وإن كان ابن حزم قال: لا يصح لأنه عن أبي شعيب أو شعيب، ولا يُدرَى من هو؟
          فغير جيد؛ لأن ابن أبي حاتم ذكر أن وكيعًا أيضًا وابن أبي غنية رويا عنه، وقال أبو زرعة: لا بأس به، وقال أبي: صالح، وقال ابن معين: شعبة يهم فيه، يقول: أبو شعيب، وإنما هو شعيب، وذكره ابن حبَّان في كتاب «الثقات»، وكذلك ابن خُلْفُون، وزاد: روى عنه عمر بن عبيد الطَّنَافسي، وموسى بن إسماعيل التَّبُوذَكي.
          وأما احتجاج ابن حزم بحديث قال من عند مسلم عن أنس: «كنا على عهد النبي صلعم نصلي ركعتين بعد غروب الشمس، قلت: أكان النبي صلعم يصلي ركعتين بعد غروب الشمس؟ قال: كان يرانا فلم يأمرنا ولم ينهنا»، فزعم أبو محمد بن عطية أن هذا ليس في مسلم بهذا اللفظ، ولا كتاب من في كتب الحديث.
          وقال المهلب بن أبي صفرة: فعلها كان في أول / الإسلام ليتبيَّن خروج الوقت المنهي عنه لمغيب الشمس، ثم التزم الناس المبادرة بالمغرب لئلا يتباطؤوا عن وقت فضيلة المغرب.
          وردَّ النووي هذا بأنَّ النسخ لا يصار إليه إلا عند تعذر الجمع، وعلم التاريخ.
          وقال ابن العربي: اختلف الصحابة ♥ فيها، ولم يفعلها أحد بعدهم.
          وقال سعيد بن المسيب: ما رأيت فقيهًا يصليهما إلا سعد بن أبي وقاص.
          وذكر ابن حزم: أن عبد الرحمن بن عوف كان يصليهما، وكذا أبي بن كعب، وأنس بن مالك، وجابر، وخمسة آخرون من أصحاب الشجرة، وعبد الرحمن بن أبي ليلى.
          وقال حبيب بن مسلمة: رأيت الصحابة يهبُّون إليهما كما يهبُّون إلى صلاة الفريضة.
          وسئل عنهما الحسن فقال: حسنتان لمن أراد بهما وجه الله تعالى.
          وقال ابن بطال: وهو قول أحمد وإسحاق.
          وفي «المغني»: ظاهر كلام أحمد أنهما جائزتان وليستا سنَّة، قال الأثرم: قلت لأحمد: الركعتين قبل المغرب؟ قال: ما فعلته قط إلا مرة حين سمعت الحديث. قال: وفيهما أحاديث جياد _أو قال: صحاح_ عن النبي صلعم وأصحابه والتابعين، إلا أنه قال: «لمن شاء»، فمن شاء صلَّى، وقال: هذا شيء ينكره الناس، وضحك كالمتعجِّب، وقال: هذا عندهم عظيم.
          وقد تقدم في (باب الصلاة إلى الأسطوانة) حديث أنس: «كان المؤذن إذا أذَّن قام ناس من الصحابة يبتدرون السَّوَارِي، حتى يخرج النبي صلعم وهم كذلك يصلون ركعتين، حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة قد صُلِّيت من كثرة من يصلِّيها».
          وعند أبي داود من حديث المختار بن فُلْفُل، عن أنس قال: «صليت الركعتين قبل المغرب على عهد النبي صلعم، قال المختار: قلت: أرآكم رسول الله صلعم؟ قال: نعم، رآنا فلم يأمرنا، ولم ينهنا».
          وعند البيهقي عن معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب قال: كان المهاجرون لا يركعونهما، وكانت الأنصار تركعهما.
          ومن حديث مكحول عن أبي أمامة: كنَّا لا ندع الركعتين قبل المغرب في زمان رسول الله صلعم.
          وخرَّج البخاري في هذا الباب حديث مَرْثَد بْن عَبْدِ اللهِ قَالَ: قلت لعُقْبَةَ بْن عَامِرٍ الجُهَنِيّ: أَلَا أُعْجِبُكَ مِنْ أَبِي تَمِيمٍ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ المَغْرِبِ؟ فَقَالَ عُقْبَةُ: «إِنَّا كُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله / صلعم»، قُلْتُ: فَمَا يَمْنَعُكَ؟ قَالَ: «الشُّغْلُ» [خ¦1184].
          ولما خرَّجه النسائي ذكر أن أبا تميم هذا هو الجَيْشَاني، عبد الله بن مالك، وكذا في «صحيح الإسماعيلي» وغيره.
          وعند ابن بطال: قال النخعي: لم يصلِّهما أبو بكر ولا عمر ولا عثمان، وقال إبراهيم: وهي بدعة، قال: وكان خيار الصحابة بالكوفة علي وابن مسعود وحذيفة وعمار وأبو مسعود، فأخبرني من رمقهم كلهم فما رأى أحدًا يصلي قبل المغرب.
          قال: وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي.
          وفي «شرح المهذب»: لأصحابنا فيهما وجهان؛ أشهرهما: لا تستحب، والصحيح عند المحققين استحبابها. والله تعالى أعلم.