التلويح شرح الجامع الصحيح

باب في كم يقصر الصلاة؟

          ░4▒ بَابٌ: فِي كَمْ تُقْصَرُ الصَّلَاةُ
          وَسَمَّى النَّبِيُّ صلعم: «السّفر يَوْمًا وَلَيْلَةً»
          كأن البخاريَّ يريد ما ذكره في هذا الباب: «لا يحلُّ لامرأة أن تسافر مسيرة يومٍ وليلةٍ» الحديث.
          وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ يَقْصُرَانِ وَيُفْطِرَانِ فِي أَرْبَعَةِ بُردٍ، وَهِيَ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا.
          هذا التعليق ذكره البيهقي فقال: أخبرنا أبو حامد الحافظ: أخبرنا زاهر بن أحمد: حدَّثنا أبو بكر النيسابوري: حدَّثنا يوسف بن سعيد بن [مسلم بن حجاج] حدَّثنا ليث: حدَّثني يزيد بن أبي حبيب، عن عطاء بن أبي رباح: «أن ابن عمر وابن عباس كانا يصليان ركعتين، ويقصران في أربعة بُرْدٍ فما فوق ذلك».
          قال أبو عمر: هذا عن ابن عباس معروف من نقل الثقات، متصل الإسناد عنه من وجوه، منها: ما رواه عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن عطاء، عنه.
          وقال ابن أبي شيبة: أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو: أخبرني عطاء عنه. وحدَّثنا وكيع: حدَّثنا هشام بن الغَاز، عن ربيعة الجُرَشي، عن عطاء، عنه.
          وقوله ذلك لا يشبه أن يكون رأيًا، إنما يشبه أن يكون توقيفًا، والله تعالى أعلم.
          وفي «الموطأ»: مالك عن نافع عن سالم: «أن ابن عمر ركب إلى ذات النُّصُب فقصر الصلاة في مسيره ذلك». قال مالك: وبين ذات النُّصُب والمدينة أربعة بُرد.
          وعند ابن أبي شيبة: حدَّثنا ابن عُليَّة، عن أيوب، عن نافع، عن سالم عنه: خرج إلى أرض له بذات النُّصُب فقصر، وهي ستة عشر فرسخًا.
          وعن مالك عن ابن شهاب عن سالم: أن أباه ركب إلى رِيْمٍ فقصر الصلاة في مسيره ذلك / ، قال مالك: وذلك نحوٌ من أربعة بُرُد.
          قال أبو عمر: خالفة عَقيل عن ابن شهاب فقال: وذلك نحو من ثلاثين ميلًا.
          وكذلك رواه عبد الرزاق عن مالك عن ابن شهاب عن سالم: أن عبد الله يقصر في اليوم مسيره التام، قال سالم: وخرجنا مع عبد الله إلى أرض له برِيْم، وذلك من المدينة على نحو ثلاثين ميلًا، فقصر.
          قال أبو عمر: أما رواية عبد الرزاق عن مالك فأظنها وهمًا؛ لخلاف ما في «الموطأ».
          وأما رواية عقيل فإن لم تكن وهمًا فيحتمل أن تكون «رِيم» موضعًا متَّسعًا كالإقليم، فيكون تقدير مالك إلى آخره، وتقدير عقيل إلى أوله، ومالك أعلم بنواحي بلده.
          قال بعض شعراء أهل المدينة:
فكم من حَرَّة بين المنقَّى                     إلى أُحدٍ إلى جنبات رِيم
          وجنبات ريم: ربما كانت بعيدة الأقطار.
          وفي «المحلى» عن معمر، عن أيوب، عن نافع: أن ابن عمر كان يقصر الصلاة في مسيرة أربعة برد.
          قال أبو محمد: وهذا مما اختُلف فيه على ابن عمر.
          قال ابن عبد البر: روى ابن جُريج عن نافع: أن عبد الله كان أدنى ما يقصر فيه الصلاة مال له بخيبر، وهو مسيرة ثلاث قواصد.
          وقد اختُلِفَ على ابن عمر في ذلك، وأصح ما روي عنه ما رواه ابنه سالم ونافع: أنه كان لا يقصر إلا في اليوم التام أربعة بُرد.
          وروى مالك عن نافع: أنه كان يسافر مع مولاه البَرِيد فلا يقصر.
          وهذا خلاف ما رواه محارب بن دِثَار عن ابن عمر: إني لأسافر الساعة من النهار فأقصر الصلاة.
          وما رواه محمد بن زيد بن خليدة عن ابن عمر: أنه كان يقصر الصلاة في مسيرة ثلاثة أميال.
          وهذان الخبران من رواية الكوفيين عنه، فكيف نقبلهما مع ما ذكرناه من خلافهما لسالم ونافع؟
          وفي «المصنف» عن ابن بكير: حدَّثنا مالك: أنه بلغه أن ابن عباس كان يقصر الصلاة فيما بين مكة والطائف، وفيما بين مكة وجدة، وفيما بين مكة وعُسْفان.
          قال مالك: وذلك أربعة برد.