التلويح شرح الجامع الصحيح

باب: الشرك والسحر من الموبقات

          ░48▒ وقال البُخارِي في:(باب السحر من الموبقات)
          تَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ، وَأَبُو ضَمْرَةَ، وَابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامٍ، عن أبيه، عن عائشة.
          وَقَالَ: اللَّيْثُ بن سعد، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامٍ: «فِي مُشْطٍ وَمُشَاطةٍ» [خ¦5763].
          ذكر الدَّارَقُطْني في كتاب «العلل الكبير» من هذه المتابعات متابعة اللَّيث وابن عُيَيْنَة وأبي أسامة وأبي ضمرة.
          وأخرج البُخارِي نفسه حديث أبي أسامة في «الصحيح» عن عبيد بن إسماعيل عنه.
          وحديث أبي ضَمْرة رواه عن إبراهيم بن المنذر عنه، وحديث ابن عُيَيْنَة رواه إسماعيل عن عبد الله بن مُحمَّد عنه.
          وقوله: (أَشَعَرْتِ أَنَّ اللهَ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ) أي: أجابني فيما دعوته، فسمَّى الدعاء استفتاء، لأن الدَّاعي طالب، والمجيب مُفتٍ، فاستعير أحدهما للآخر.
          وقوله: (جَاءَني رَجُلان) أي: ملكان في صورة رجلين، وظاهره يقتضي أن يكون يقظة، وإن كان منامًا فرؤياه وحي.
          وقوله: (في مُشْط ومِشَاطَة) المشْط: بِضَم المِيم وسكون الشين وَضَمِّهَا، وبكسر المِيم وسكون الشين، ومِمْشط ومِشطأ بالهمز وتركه، ومِشطاء ممدود، ومكد ومرجَّل، وقَليم بفتح القاف ذكره الزاهد في «التواقيت».
          والمشط نبتٌ صغير يقال لها مشط الزيت، والمُشط: سلاميات ظهر القدم، ومشط الكتف: العظم العريض.
          قال القُرطُبي: يحتمل أن يكون الذي سُحر فيه صلعم أحد هؤلاء الأربعة.
          وفي «المحكم»: والمشط سمةٌ من سمات البعير يكون في العين والفخذ، والمشط سَبحة فيها أسنان وفي وسطها هراوة يقبض عليها ويُغطَّى بها الجب.
          وأما الجُفُّ: فبجيم مضمومة بعدها فاء كذا هو المشهور.
          وقال أبو عمر: روي بالباء الموحدة.
          قال النووي: أكثر نسخ بلادنا بضم الجيم والباء الموحدة، وفي بعضها بالفاء وهما بمعنى واحد، وهو / الغشاء الذي يكون على الطلع، ويُطلق على الذكر والأنثى، فلهذا قيَّده في الحديث بقوله: «طلعة ذكر»، بإضافة «طلعة» إلى «ذكر»، انتهى.
          ذكر القُرطُبي أن الذي بالفاء هو وعاء الطلح، وهو الغشاء الذي يكون عليه، وبالباء قال شَمَّر: أراد به داخل الطلعة إذا خرج منها الكُفُرى، كما يقال لداخل الرَّكِيَّة من أسفلها إلى أعلاها: جُب، وقيل فيه: إنه من القطع؛ يعني: ما قطع من قشورها.
          (في بِئْرِ ذَرْوَان): كذا في البُخارِي، وفي بعض نسخه: «ذي أَرْوان»، وهو بالمدينة في بني زُرَيق.
          ووقع في كتاب الدعوات منه: «ذروان [بئر] في بني زُرَيق» [خ¦6391].
          وعند الأَصِيلي عن أبي زيد: «ذي أوان» بواو من غير راء، قال ابن قُرْقُول: هو وهم، إنما «ذو أوان» موضع آخر على ساعة من المدينة، وبه بُني مسجد الضرار.
          وقال ابن التِّين: «ذروان» ضُبِط في بعض الكتب بفتح الراء، وهو الذي قرأته، وفي بعضها بسكونها، وهو أشبه في العربية؛ لأن حروف العلة إذا تحركت وانفتح ما قبلها قُلبت ألفًا.
          وفي كتاب البَكري: قال القُتَبِي: هي بئر أَرْوان، بالهمز مكان الذال.
          وقال الأَصْمَعِي: وبعضهم يخطئ فيقول: ذَرْوان.
          وقوله: (نُقاعَة الحِنّاء) بضم النون ومد الحنّاء.
          وقوله: (كأنَّ نخلَها رُؤوسُ الشَّياطِين) قال ابن التِّين: يعني أن السِّحر عُمِلَ في النخل، حتى صار أعلاها أو على طلعها كأنَّه رؤوس الشياطين.
          وعن الفَرَّاء فيه ثلاثة أوجه:
          أحدها: أن يشبه طلعَها في قُبحِه برؤوس الشياطين؛ لأنها موصوفة بالقبح.
          ثانيها: أن العرب تسمي بعض الحيَّات شيطانًا.
          الثالث: يقال: إنه نبت قبيح يسمى رؤوس الشياطين باليمن، يقال: إنه الأُبسر.
          وزعم القُرطُبي / أنَّ هذه الأرض التي فيها النخيل والبئر خرابٌ لا تعمر لرداءتها، فبئرها معطلة، ونخلها مهملة، وتغير ماء البئر إما لرداءته وطول إقامته، وإما لما خالطه مما أُلقي فيه.
          وفي رواية عند البُخارِي: «طبّهُ لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ حَلِيفٌ لِيَهُودَ وكَانَ مُنَافِقًا» [خ¦5765].
          وعند النَّسائي: «لبَيد بن الأعْصم رجل من اليهود».
          قال أبو الفَرَج: وهذا يدل على أنه كان أسلم وهو منافق.
          و(الرَّاعُوفَة): البئر، وراعوفها وأرعوفها: حجر ناتئ على رأسها لا يستطاع قلعه يقوم عليه المستقي، وقيل: هو في أسفلها، قاله ابن سِيْدَه.
          وقال أبو عُبَيد بن سَلام: هي صَخرة تُترَك في أسفل البئر إذا حفرت تكون ثابتة هناك، فإذا أرادوا تنقية البئر جلس المنقي فوقها.
          وقيل: هو حجر يأتي فِي بعض البِئْر صلبًا لَا يُمكنهُم حفره فَيتْرك على حَاله.
          و في «التهذيب» للأزهري: قال شَمَّر عن خالد: راعُوفة البئر: النطَّافة، قال: وهي مثل عَين على قَدْر جُحْر العَقرب نِيطَ في أعلى الرَّكِيَّة، فيجاوزونها في الحفر خَمْس قِيَم وأكثر، فربما وجدوا ماءً كثيرًا تَحْبِسه.
          قال شَمَّر: من ذهب بالرَّاعوفة إلى النطَّافة فكأنه أخذه من رُعاف الأنف، وهو: سَيَلانُ دمِه وقطرانُه، ويقال ذلك لسَيَلان الذَّنين، وأنشد قوله:
كِلا مِنْخَرَيْهِ سَابِقًا ومعشـرًا بما                     انفضَّ مِن مَاء الخياشيم رَاعِفُ
          ومن ذهب بالراعوفة إلى الحَجَر الذي يتقدم طيَّ البئر على ما ذُكِرَ عن الأَصْمَعي، فهو مِن رَعَف الرَّجل أو الفَرَس إذا تقدم وسَبَق، وكذلك استرعف.
          قال ابن بَطَّال: واختلفوا في النُّشرة فذكر عبد الرزاق، عن عَقيل بن مَعْقِل عن هَمّام بن مُنَبِّه قال: سُئِل جابر بن عبد الله عن النُّشر فقال: مِن عَمَل الشيطان.
          وقال الشَّعبي: لا بأس بالنُّشرة العربية التي لا تضر إذا وطئت، وهي أن يخرج الإنسان في موضع عضاه، فيأخذ عن يمينه وشماله من كلٍّ / ، ثم يدبغه ويقرأ فيه ثم يغتسل به.
          وفي كتب وَهْب بن مُنَبِّه: أن يأخذ سبع ورقات من سِدر أخضر فيدقه بين حجرين، ثم يضربه بالماء، ثم يقرأ فيه آية الكرسي، وذوات «قُلْ»، ثم يحسو منه ثلاث حَسَوات ويغتسل به، فإنه يذهب عنه كل عاهة، وجيدٌ للرجل إذا حبس عن أهله.
          وتركُهُ صلعم النكيرَ على عائشة لمّا ذكرت له النُّشرة دليلٌ على جواز استعمالها.
          وفي «فتاوى أبي يعقوب يوسُف الخاصيِّ الصُّغرى»: السَّاحر لا يُستتاب في قول أبي حنيفة ومُحمّد خلافًا لأبي يوسف، والزنديق يُستتاب عند أبي يوسف ومُحمَّد، وعند أبي حنيفة روايتان.
          وقال ابن بَطَّال: واختلف السلف هل يقتل الساحر على حلِّ مَن سحره؟ فأجازه سعيد بن المسَيَّب، وكرهه الحسن بن أبي الحسن وقال: لا يَعلم ذلك إلا ساحر، ولا يجوز إتيان الساحر لما روى سُفْيان عن أبي إسحاق عن هُبَيرة عن ابن مَسْعود: «من مشى إلى ساحر أو كاهن فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أُنزِلَ على مُحمَّد صلعم».
          قال الطبَري: وليس ذلك سواء، وذلك أنَّ مسألةَ الساحر عقدُ السِّحر مسألة منه أن يضر من لا يحل ضرره، وذلك حرام، وحل السحر عن المسحور نفع له، وقد أَذِنَ الله تعالى لذوي العلل في العلاج على صفة دون صفة، وأمر بالتعالج.
          ونهيه صلعم عن إتيان الساحر إنما هو على التصديق له فيما يقول، وأما من أتاهم لغير ذلك وهو عالم به وبحاله فليس بمنهي عنه ولا عن إتيانه.
          قوله: «مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا» [خ¦5767] تقدَّم في النكاح.
          وقوله: (العَجْوَة) تقدَّم في الأطعمة.
          وحديث العدوى تقدم قريبًا.
          وحديث السُّمِّ تقدَّم في المغازي.