التلويح شرح الجامع الصحيح

باب: لا هامة

          ░45▒ [باب: لا هامة]
          [(الشؤم في ثلاث) [خ¦5757] وفي رواية: (إن الشؤم في شيء ففي) كذا مع قوله: (إلا الطيرة) قال ابن الجوزي. غلطت عائشة ♦ على من روى هذا الحديث، وقالت: إنما كان أهل الجاهلية يقولون: الطيرة في كذا وكذا، وهو رد لصريح خير رواه الثقات والصحيح أن] / في المعنى إن خيف من شيء أن يكون سببًا لما يخاف شره ويتشاءم به فهذِه الأشياء لا على السبيل التي يظنها أهل الجاهلية من الطيرة والعدوى.
          وقال الخطَّابي: لما كان الإنسان لا يستغني عن هذِه الأشياء: الدار والفرس والزوجة، وكن لا يَسلمنَ من عارض مكروه، فأضيف إليها الشؤم إضافة محلٍّ.
          قال ابن التِّين: الشؤم مهموز، ويسمى كل محذور ومكروه شؤمًا، ومشأمة، والشؤمى الجهة اليسرى، وأصحاب المشأمة: الذين سلك فيهم طريق النار؛ لأنها على الشمال، وقيل: لأنهم شؤمٌ على أنفسهم، وقيل: لأنهم أخذوا كتابهم بشمالهم.
          وقال ابن العربي: اختلف الناس في تأويل قوله: (لا طِيَرَة) فمنهم من قال: معناه الإخبار عما تعتقده الجاهلية، وقيل: معناه الإخبار عن حكم الله الثابت في الدار والمرأة والفرس بأن الشؤم فيها عادة أجراها الله تعالى، وقضاء أنفذه ويوجده حيث شاء منها متى شاء.
          قال: والأول ساقط؛ لأن سيدنا رسول الله صلعم لم يبعث ليخبر عن الناس ما كانوا يعتقدونه.
          وعند الترمذي صحيحًا عن أنس أن رسول الله صلعم: «كان إذا خرج لحاجته يعجبه أن يسمع: يا نَجِيحُ، يا رَاشِد».
          وعند أبي داود عن بُرَيدة أن النبي صلعم: «كان لا يتطيَّر من شيء، وكان إذا بعث غلامًا يسأل عن اسمه، فإذا أعجبه اسمه فَرِح به، وإن كره اسمه: رؤي كراهة ذلك في وجهه» وفي رواية: «من عرض له من هذه الطيرة شيء فليقل: اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك، ولا إله غيرك، ولا حول ولا قوة إلا بالله».
          وروى قاسم بن أَصْبَغ أن بُرَيدة لما رآه رسول الله صلعم وهو قاصد المدينة، قال له: «ما اسمك؟» قال: بُرَيدة. فالتفت إلى أبي بكر / ، فقال: «بَرُد أمرنا وصلح، ممن؟» قال: من أسلم. فقال لأبي بكر: «سَلِمنا»، ثم قال: «ممن؟» قال: من بني سهم. فقال: «خرج سهمنا».
          وفي كتاب «المناسك» لابن صاعِد عن أبي حَدْرَد: قال رسول الله صلعم يوم الحديبية: «من يسوق إبلنا؟» فقال رجل: أنا. قال: «ما اسمك؟» قال: فلان. قال: «اجلس»، فقام آخر، فقال: «ما اسمك؟» قال: ناجية. قال: «سقها».
          وفيه عن يَعيش الغِفَاري قال: دعا رسول الله صلعم يومًا بناقة، فقال: «مَن يحلبها؟» فقام رجل، فقال: «ما اسمك؟» قال: مُرَّة. قال: «اقعد»، فقام آخر، فقال: «ما اسمك؟» قال: جمرة. قال: «اقعد» فقام يعيش، فقال: «ما اسمك؟» قال: يعيش. قال: «احلِبها».
          وعند ابن عَدِي عن أبي هُرَيْرَة أن رسول الله صلعم قال: «إذا تطيرتم فامضوا، وعلى الله فتوكلوا».
          وعند جار الله: «ليسَ مِنَّا مَن تَطَيَّر أو تُطُيِّر له، أو تَكَهَّن أو تُكُهِّن له».
          وفي رواية عن أنس يرفعه: «ويعجبني الفأل الصالح». قالوا: وما الفأل الصالح؟ قال: «الكلمة الطيبة».
          وعن أبي هُرَيْرَة: سمع النبي صلعم كلمة طيبة فأعجبته، فقال: «أخذنا فألك من فِيك».
          وقال عُروة بن عامر: ذُكِرت الطيرة وعندنا النبيَّ صلعم فقال: «أحسنها الفأل، ولا ترد مسلمًا، وإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بالله».
          ...: سَمِعْت النبي صلعم يقول: «العِيَافَةُ، وَالطَّرْقُ، وَالطِّيَرَةُ مِنَ الجِبْتِ».
          وعن أبي هُرَيْرَة يرفعه: «من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد بَرِئ مما أنزل على مُحمَّد صلعم».
          وقد أخذ مالك ⌂ بظاهر قوله: (الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثٍ) وحمله على ظاهره.
          قال القُرطُبي: ولا يظن بمن قال هذا القول أن الذي يُرخص فيه من الطِّيَرة / بهذِه الثلاثة الأشياء، إنما هو مثل نحو ما كانت الجاهلية تعتقد فيها فإن ذلك خطأ، وإنما معنى هذه الأشياء الثلاثة أكثر ما يتشاءم الناس بها؛ لملازمتهم إياها، ولذلك خصَّها بالذكر.
          وقد يصحُّ حمله على أعم من ذلك، فيدخل فيه الدكان والفندق والحارة وغيرها، فمن وقع في نفسه شيء من ذلك فقد أباح الشرع له أن يتركه ويستبدل به غيره مما تطيب به نفسه، ولم يلزمه الشرع أن يقيم في موضع يكرهه، أو مع امرأة يكرهها؛ بل قد فسح له في ترك ذلك كله، لكن مع اعتقاد أن الله هو الفعال لما يريد.
          أنشد المبرد في الكامل:
لايعلم المرء ليلًا ما يصبحه                     إلا كواذب مما يخبر الفال
والفأل والزجر والكهان كلهم                     مضللون ودون الغيب أقفال
          وقال صابئ بن الحارث البُرْجُمِي:
وما عاجلات الطير تدني من الفتى                     نجاحًا ولا عن ريثهن يخيب
ورب أمور لا تضيرك ضيرة                     وللقلب من مخشاتهن وجيب
ولا خير فيمن لا يوطّن نفسه                     على نائبات الدهر حين تنوب
          أيضًا للبيد بن ربيعة:
لَعَمركَ ما تدري الضوارب بالحصـى                     ولا زاجرات الطير ما الله صانع
فَسَلهنّ إن أحدثن علمًا متى الفتى                     يذوق المنايا أم متى الغيب واقع
          وقال خُزَزُ بن لَوْذَان:
لا يقعدنّك عن بغاء                     الخير تعقاد التمائم
ولقد غدوتُ وكنت لا                     أغدو على واق وحاتم
فإذا الأشائم كالأيا                     من والأيامن كالأشائم
وكذاك لا خير ولا شرّ                     على أحدٍ بدائم
قد خطَّ ذلك في كتا                     ب الأوليات القدائم
          ورأى أعرابي في دِهليز عبيدِ الله بن زياد صورةَ أسد وكبش وكلب، فقال: أسد كالح، وكبش ناكح، وكلب نابح. أما والله لا يُتمتع بهذِه الدار أبدًا. فما لبث عبيد الله أيامًا حتى قتل.
          وتفاءل هشام بن عبد الملك بِنَصْر بن سَيَّار فقلده خراسان، فكان بها عشرة أحوال.
          ولما سار عامر بن إسماعيل صاحب السَّفَّاح في طلب / مروان بن مُحمد اعترضه بالفَيُّوم ناس، فسأل رجلًا منهم عن اسمه فقال: منصور بن سعد من سعد العشيرة. فتبسم تفاؤلًا به، فظفر بمروان في تلك الليلة. وتفاءل المأمون بمنصور بن بسام فكان ذلك سبب مكانته عنده.
          وقال بعضهم: خرجت في بغاء ناقة لي ضلَّت، فسمعت قائلًا يقول:
ولئن بعثت لنا البغاة                     فما البغاة بواجدينا
          فلم أتطيَّر أن أحول منه ومضيت، فلقيني رجل قبيح الصورة، به ما شئتَ من عاهة، فما ثناني ذلك وتقدمتُ، فلاحت لي أَكَمَة فسمعت منها: والشر تلقى مطالع الأكم. فلم أكترث له، فلما علوتها وجدت ناقتي تفاجَّتْ للولادة، فنتجتها وعدت إلى أهلي مع ولدها.
          وقال بشير غلام حرب الرَّاوَنْدي للمنصور يومَ قتلِ أبا مُسلم: يا أمير المؤمنين، رأيت اليوم ثلاثة أشياء تطيرت لأبي مسلم منها. قال: وما ذاك؟ قال: ركب فوقعت قَلَنْسُوته من رأسه، وكَبَا به فرسه، وسمعته يقول: إني مقتول، وإنما أخادع نفسي، فإذا رجل ينادي في الصحراء لآخر: اليوم آخر الأجل بيني وبينك. فقال المنصور: الله، ذهب أجله وانقطع من الدنيا أثره، فكان كذلك.
ألا أيها الغادي على ذمّ طائر                     ليلزمه جرمًا وليس له جرم
وما لغراب البَين بالبَين خبرة                     ولا لغراب البين بالملتقى علم
          وخرج النابغة الذبياني _واسمه زياد_ مع زَبَّان بن سَيَّار الفَزارِي للغزو، فلما أراد الرحيل نظر إلى جرادة سقطت عليه فقال:
جرادة تجرّدت وذات                     لونين غيري من حرج
          فلم يلتفت زَبَّان إلى طيرته وسار فرجع غانمًا، فقال زبان:
تخير طيرة فيها زياد                     لتخبره وما فيها خبير
أقام كأن لقمانَ بن عاد                     أشار له بحكمته مشير
يعلم أنه لا طير إلا                     على متطير وهو البتور
بلى شيء يوافق بعض شيء                     أحايينَا وباطله كثير
/ تقدم ذكرها وكذا في كتاب الوقف وآخر التفسير.