المتواري على أبواب البخاري

باب ما ذكر في الأسواق

          ░49▒ باب ما ذُكِر في الأسواق(1) / وقال عبد الرحمن: «لما قدمنا المدينة (قلت)(2): هل من سوق فيه تجارة؟ قال(3): (قال: سوق قينقاع، وقال أنس بن مالك: قال عبد الرحمن بن عوف)(4): دُلوني على السوق».
          وقال عمر: «ألهاني الصفق بالأسواق».
          329- فيه عائشة: قال النبي صلعم : «يغزو جيش الكعبة، فيخسف بأولهم وآخرهم، قلنا: يا رسول الله، كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم؟ قال: يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم». [خ¦2118].
          330- وفيه أبو هريرة: قال النبي صلعم : «صلاة أحدكم في جماعة تزيد على صلاته في سوقه وبيته...» الحديث. [خ¦2119].
          331- وفيه أنس: «كان النبي صلعم في السوق _وقال مرة: بالبقيع_ فقال رجل: يا أبا القاسم، فالتفت إليه النبي صلعم ، فقال: إنَّما دعوت هذا، فقال النبي صلعم : تَسمَّوا باسمي ولا تكنَّوا بكُنيتي». [خ¦2120].
          332- وفيه أبو هريرة: «خرج النبي صلعم في طائفة من النهار لا يكلمني(5) (ولا أكلمه) حتى أتى سوق بني قينقاع، فجلس بفناء بيت فاطمة فقال: أَثَمَّ لُكع، أَثَمَّ لُكع؟ فحبسَتْه شيئاً، فظننت أنها تُلبِسُه سِخاباً أو تغسله، فجاء يشتد حتى عانقه وقَبَّله...» الحديث. [خ¦2122].
          333- وفيه ابن عمر: «أنَّهم كانوا يشترون الطعام من الركبان على عهد النبي صلعم ، فيبعث(6) عليهم من يمنعهم أن يبيعوا حيث اشتروه حتى ينقلوه(7) حيث يباع الطعام». [خ¦2123].
          [قلتَ رضي الله عنك:] إنما أراد بذكر الأسواق إباحة المتاجِر ودخول السوق والشراء فيه للعلماء والفضلاء، وكأنَّه لم يصحَّ عنده الحديث الذي روي: «شرُّ البقاع الأسواق، وخيرها المساجد»(8)، وهذا إنَّما خرج على الأغلب؛ لأنَّ المساجد يذكر فيها اسم الله تعالى، والأسواق قد غلب على أهلها اللغط(9) واللهو والاشتغال بجمع المال والكَلَب(10) على الدنيا من الوجه المباح وغيره، وأنه إذا ذكر الله في السوق(11) فهو من أفضل الأعمال.
          روى محمد(12) بن واسع أنه [قال]: سمعت سالم بن عبد الله يقول: «من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير؛ كتبت له ألف ألفِ حسنة، وتَمحَّى عنه ألف ألفِ سيئة، وبُني(13) له بيت في الجنة»(14)، وكذلك / إذا لغا في المسجد أو لغط(15) فيه أو عصى ربه لم يضر المسجد ولا نقص(16) من فضله، وإنما أضرَّ نفسه وبالغ في إثمه.
          وقد روي عن علي بن أبي طالب ☺ أنَّه قال: «من عصى الله في المسجد فكأنَّما عصاه في الجنة، ومن عصاه في الحمَّام فكأنَّما عصاه في النار، ومن عصاه في المقبرة فكأنَّما عصاه في عرصات القيامة، ومن عصاه في البحر فكأنَّما عصاه على أكف(17) الملائكة».
          وذهب المهلب في حديث عائشة أن من(18) كثَّر سواد العصاة لزمته العقوبة معهم، وأن مالكاً استنبط من الحديث معاقبة جليس شارب الخمر وإنْ لم يشرب، وهذا عندي مردود، فإن العقوبة [المذكورة](19) في الحديث هي المحنة السماوية، والمِحن السماوية لا تقاس بها العقوبات الشرعية، ولهذا قال صلعم : «ويبعثون على نياتهم» دل على أنْ المقاتِلة عوقبوا والسّوقة امتحنوا معهم في الدنيا خاصة، ثم وراء ذلك نظر في مصاحبة أهل الفتنة للتجارة معهم، هل هي من قبيل إعانتهم على ما هم عليه؟ أو يقال: إنَّ ضرورة الوجود توجب معاملتهم؟ وكلٌ على شاكلته، والمفتن يبوء بإثمه، وهذا ظاهر الحديث.


[1] في (ت) و(ع): «باب ذكر الأسواق».
[2] ليست في (ت).
[3] في (ت): «وقال».
[4] ليست في (ع).
[5] في (ع): «ولا يكلمني».
[6] في (ع): «فبعث».
[7] في (ت) و(ع): «يبلغوه».
[8] رواه الحاكم ░2149▒ عن ابن عمر، وصححه وأقره الذهبي.
[9] في (ع): «الغلط».
[10] في (ع): «والتكالب».
[11] في (ت): «وأنه إذا ذكر اسم الله في السوق».
[12] في (ت) و(ع): «وروي عن محمد».
[13] في (ت): «ويبنى».
[14] رواه ابن ماجه ░2235▒، وأحمد ░327▒، والحاكم ░1974▒ عن عمر ☺ مرفوعاً، وفي سنده عمرو بن دينار وهو منكر الحديث.
[15] في (ع): «ولغط».
[16] في (ت): «ولا ينقص».
[17] في (ت) و(ع): «كف».
[18] في (ت) و(ع): «إلى من».
[19] ليست في الأصل.