مصابيح الجامع

باب التسمية على الذبيحة ومن ترك متعمدًا

          ░15▒ (وقال الله تعالى: {ولَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}، وَالنَّاسِي لاَ يُسَمَّى فَاسِقاً)
          ذكر الرازي في كتابه في «مناقب الشافعي»: أن مجلساً جمعه وجماعةً من الحنفية، وأنهم زعموا أن قولَ الشافعي: ((يحلُّ أكْلُ متروكِ التسمية)) مردودٌ بقوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام:121].
          قال: فقلت لهم: لا دليلَ فيها، بل هي حُجَّة للشافعي ☺ (1)، وذلك أن الواو ليست للعطف؛ لتخالُفِ الجملتين بالاسمية والفعلية، و((لا)) للاستثناء (2)؛ لأن أصل الواو: أن (3) تربط ما بعدَها بما قبلَها، فبقي أن تكون للحال، فتكون جملة الحال مقيَّدَة للنهي، والمعنى: لا تأكلوا منه في حال كونه فسقاً، ومفهومُه: جوازُ الأكل إذا لم يكن فسقاً، والفسقُ (4) قد فسَّره الله تعالى بقوله(5) : {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام:145]، فالمعنى: لا (6) تأكلوا منه إذا سُمِّي عليه غيرُ الله، ومفهومه: وكلوا منه إذا لم يُسَمَّ عليه (7) غيرُ الله.
          قلت: فيه نظرٌ من وجوه(8) :
          أما أولاً: / فالصحيح أن تخالُفَ الجملتين بالاسمية والفعلية لا يمنع من العطف على ما هو مقررٌ عند النحاة.
          وأما ثانياً: فلا نسلِّم أن الفسقَ المذكورَ في هذه الآية مفسِّرٌ للفسق في الآية الأخرى، وإنما الضميرُ في قوله: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام:121]، عائد إلى عدم ذِكر التسمية؛ لكونه أقربَ المذكورات، ومعلوم أن التركَ نسياناً ليس بفسق؛ لعدم التَّكليف والمؤاخذة، فتعَيَّنَ العمدُ.
          وأما ثالثاً(9) : فلأنه لو كان المرادُ بالفسق: الإهلالَ (10) بذكر (11) غيرِ الله على الذبيحة، لزم الإخبارُ بالأخصِّ عن (12) الأَعَمَّ، وهو باطلٌ، وذلك لأن عدمَ ذِكرِ اسمِ الله تعالى على الذبيحة أعمُّ من الإهلال بها لغير الله قطعاً، والإهلالُ المذكورُ أخصُّ، وقد أُخبر به عن الضمير العائد على عدم ذكرِ اسم الله الذي هو أعمُّ، فلزم ما قلناه، فتأمله(13).


[1] ((☺)): ليست في (ق).
[2] في (ق): ((للاستئناف)).
[3] في (ق): ((وأن)).
[4] ((الفسق)): ليست في (د).
[5] ((بقوله)): ليست في (د) و(ج).
[6] ((لا)): ليست في (د).
[7] ((عليه)): ليست في (ق).
[8] في (ق): ((الوجوه)).
[9] في (ق): ((الثالث)).
[10] في (م): ((لإهلال)).
[11] في (م) و(د) و(ج) ((بذلك)).
[12] في (ج) و(د): ((على)).
[13] في (ج): ((فتأوله)).