انتقاض الاعتراض

باب وقت المغرب

          ░18▒ (باب وقت المغرب)
          قال (ع): في الكلام على حديث جابر: قوله: «قدم الحَجَّاج» _بفتح المهملة وتشديد الجيم وآخره جيم_ هو ابن يوسف الثَّقفي.
          وصدَّر الكِرْمَانيُّ كلامه / بأنَّ الرِّواية بضمِّ أوَّله وهو جمع حاجٍّ وهو تحريف بلا خلاف، فقد وقع في «صحيح أبي عوانة» مِن طريق أبي النَّضر عن شعبة: سألنا جابر بن عبد الله في زمن الحجَّاج، وكان يؤخِّر الصَّلاة عن وقت الصَّلاة.
          وفي رواية مسلم مِن طريق معاذ عن شعبة: «كان الحجاج يؤخِّر الصلوات».
          قلت: وكان قدوم الحجَّاج أميرًا عليها مِن قبل عبد الملك بن مروان سنة أربع وسبعين وذلك عقب قتل ابن الزبير، وأَمَّره عبد الملك على الحَرمين وما معهما.
          قال (ع): قوله: «قدم الحجَّاج» هو ابن يوسف الثَّقفي والي العراق.
          وقال بعضهم: قال الكِرْمَانيُّ: إنَّ الرِّواية بضمِّ أوله وهو جمع حاجٍّ، قال: وهو تحريف بلا خلاف.
          قلت: ولم يسلِّم الكِرْمَانيُّ أنَّ الرواية بضمِّ أوَّله وإنَّمَا قال: الحُجَّاج _بضم الحاء_ جمع الحاج، وفي بعضها بفتحها، وهذا أصحُّ، ذكره(1) في مسلم وهو ابن(2) يوسف الثَّقفي، ولم(3) يقف الكِرْمَانيُّ على الضمِّ؛ بل نبَّه على الفتح، ثُمَّ قال: وهذا أصح.
          وقوله: في مسلم، وهو ما رواه مِن طريق معاذ عن شعبة: «كان الحجَّاج يؤخِّر الصلاة».
          وقوله: قدم الحجَّاج، يعني: قدم المدينة واليًا مِن قبل عبد الملك بن مروان سنة أربع وسبعين وذلك عقب قتل ابن الزبير فأقرَّه عبد الملك على الحرمين، انتهى.
          فأخذ كلام (ع)(4) بعينه فنسبه لنفسه وتعقَّب كلامه(5) بما يُضحَك منه؛ لأنَّ حاصله لم يقل الكِرْمَانيُّ أنَّ الرواية بالضمِّ، / بل نبَّه على الفتح ثُمَّ قال: وهذا أصحُّ.
          فكأنَّ (ع) لا يدري أنَّ مَن قال: الحُجَّاج _بضم الحاء_ جمع حاجٍّ في بعضها بالفتح، قد قال: إنَّ الرواية وقعت بالضمِّ وبالفتح وهي بالفتح أصحُّ، وإلَّا فما معنى أصحُّ؟! و(6) الرواية في هذا الحديث الضمُّ لا تٌؤخذ عن موثوق به مِن أهل الرِّواية، ولا غير موثوق به إلَّا ما وقع في عبارة الكِرْمَانيِّ، أفما يستحي (ع) منِ هذا الانتصار البارد ثُمَّ لا يكتفي بالردِّ على السَّابق حتَّى يجعل مصحوبًا بالإغارة على كلام مَن ينبِّه على ما يقع في كلام غيره مِن الخطأ؟ فإن كان عنده لا يوثق به، فكيف يأخذ بعينه ويرتضيه ويجزم به وينسبه لنفسه؟! وإن كان يوثق به فكيف يبالغ في التعسُّف في ردِّ كلامه مع ظهور صوابه؟! ومَن أراد العجب فليتأمَّل ما استلبه منه في هذا الشَّرح وخصوصًا هذا الباب، وانْظر تحامله في قول الكِرْمَانيِّ لما ذكر قوله في حديث عبد الله المزني.
          قال (ح): جزم الكِرْمَانيُّ إلى نقل خاصٍّ، وإلَّا فظاهر إيراد الإسماعيلي أنَّهُ مِن تتمة الحديث فإنَّهُ أورده بلفظ: فإنَّ الأعراب تسمِّيها، والأصلي(7) في مثل هذا أن يكون كلامًا واحدًا حتَّى يقوم دليل على إدراجه.
          قال (ع): متعقَّبًا عليه منتصرًا للكِرْمَاني: لم يجزم الكِرْمَانيُّ بذلك، وإنَّمَا قال عبد الله المُزني، فبنى على ظاهر الكلام فإنَّهُ فصل بين الكلامين بلفظ:(8) قال، ويحتمل أن / تكون هذه اللَّفظة مطويَّة في كلام الإسماعيلي، انتهى.ويُنظر.
          قوله: لم يجزم الكِرْمَانيُّ وإنَّمَا قال: قال عبد الله، فإذا لم يكن قول القائل: قال فلان كذا جزمًا بالنَّقل عن فلان مع عدم تجويز شيء آخر، فما هو الجزم؟!.


[1] في (س): «ذكر».
[2] في (س): «أبو».
[3] قوله: «لم» ليس في (س).
[4] في (س) و(د): «ح».
[5] قوله: « كلامه» بياض في (س).
[6] زيادة من(د) و(س) و(ظ).
[7] في (س): ((والأصل))
[8] في (س): «بين الكلام من يلفظ».