التلويح شرح الجامع الصحيح

باب غسل الميت ووضوئه بالماء والسدر

          ░8▒ بَابُ غُسْلِ المَيِّتِ وَوُضُوئِهِ بِالماءِ وَالسِّدْرِ
          وَحَنَّطَ ابْنُ عُمَرَ ابْنًا لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، وَحَمَلَهُ، وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.
          روى هذا التعليق مالك في «موطئه» عن نافع: «أن ابن عمر حنَّط ابنًا لسعيد بن زيد وحمله، ثم دخل المسجد فصلَّى ولم يتوضأ».
          وروى ابن أبي شيبة، عن وكيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه: «أن ابن عمر كفَّن ميتًا وحنَّطه ولم يمس ماءً».
          وعن أبي الأحوص، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير قال: «قلت لابن عمر: أغتسل من غسل الميت؟ قال: لا».
          وعن عبَّاد بن العوَّام، عن حجَّاج، عن سليمان بن ربيع، عن سعيد بن جبير قال: «غَسَّلتْ أمي ميتةً، فقالت لي: سَلْ عليَّ غسل؟ فأتيت ابن عمر فسألته فقال: أنَجِسًا غسَّلت؟ ثم أتيت ابن عباس فسألته فقال مثل ذلك: أنجِسًا غسَّلت؟».
          وحدثنا عبَّاد، عن / حجَّاج، عن عطاء، عن ابن عباس وابن عمر أنهما قالا: «ليس على غاسل الميِّت غسل».
          وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: المُسْلِمُ لَا يَنْجُسُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا.
          هذا التعليق رواه أبو بكر عن ابن عيينة عن عمرو عن عطاء عن ابن عباس أنه قال: «لا تنجسوا موتاكم، فإن المؤمن ليس بنجس حيًّا ولا ميِّتًا».
          وذكره الحاكم من حديثه مرفوعًا: «لا تنجِّسوا موتاكم، فإن المسلم ليس بنجس حيًّا ولا ميتًا»، وقال: صحيح على شرطهما.
          ومن حديث عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عنه: قال رسول الله صلعم: «ليس عليكم من غسل ميتكم غسل إذا غسَّلتموه، فإن ميتكم ليس بنجس، فحسبكم أن تغسلوا أيديكم»، وقال: صحيح الإسناد على شرط البخاري.
          وفيه رفض لحديثٍ مختلف فيه على محمد بن عمرو بأسانيد: «من غسل ميتًا فليغتسل».
          وَقَالَ سَعْدٌ: لَوْ كَانَ نَجِسًا مَا مَسِسْتُهُ.
          هذا التعليق رواه ابن أبي شيبة، عن يحيى بن سعيد القطان عن الجَعْد، عن عائشة بنت سعد قالت: «أُوذِنَ سعد بجنازة سعيد بن زيد وهو بالبقيع، فجاءه وغسَّله وكفَّنه وحنَّطه، ثم أتى داره فصلَّى عليه، ثم دعا بماء فاغتسل، ثم قال: لم أغتسل من غسله، ولو كان نجسًا ما غسَّلته، ولكني اغتسلت من الحر».
          وعن إبراهيم قال عبد الله: «إن كان صاحبكم نجسًا فاغتسلوا منه».
          وعن عائشة بسند صحيح: «ليس على غاسل الميت غسل».
          وعن بكر بن عبد الله بسند صحيح: حدَّثني علقمة بن عبد الله: «أن أبي غسَّله أربعة من الصحابة، فلما فرغوا توضؤوا وصلوا».
          وغسَّل ابنَ مغفل عائذُ بن عمرو وأبو برزة فلم يغتسلوا، وما زادوا على أن توضَّؤوا.
          وعن الشعبي بسند صحيح: «إن كان صاحبكم نجسًا فاغتسلوا منه».
          وفي كتاب ابن المنذر وغيره: وقول القاسم وسالم والحسن، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق.
          وَقَالَ النَّبِيُّ صلعم: «المُؤْمِنُ لَا يَنْجُسُ».
          هذا تقدَّم مسندًا في كتاب الطهارة.
          وكأن البخاري رحمه الله يريد بهذه الآثار ردَّ ما روي عن عائشة ♦: «أن النبي صلعم كان يغتسل من أربع: من الجنابة، ويوم الجمعة، ومن الحجامة، وغسل الميت».
          وهو حديث خرَّجه ابن خزيمة في «صحيحه» وقال البيهقي: رواته كلهم ثقات، وذكره الحاكم في «مستدركه»، وقال في «تاريخ بلده»: قال يحيى بن محمد الذُّهْلي: لا نعلم فيمن غسَّل ميتًا فليغتسل حديثًا ثابتًا، ولو ثبت للزِمَنَا / استعماله.
          وعن أبي هريرة في «صحيح ابن حبان» قال رسول الله صلعم: «من غسَّل الميت فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ»، وقال الترمذي: حديث حسن، وقد روي عن أبي هريرة موقوفًا.
          وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: هذا خطأ، إنما هو موقوف لا يرفعه الثقات، وقال أبو داود في «سننه»: هذا منسوخ.
          وفي لفظ عند أحمد: «من غسَّلها الغسل، ومن حملها الوضوء».
          وعن أبي سعيد الخدري قال رسول الله صلعم: «الغسل من الغسل، والوضوء من الحمل».
          قال محمد بن عبد الواحد المقدسي: رواه حرملة عن ابن وهب عن أسامة بن زيد الليثي. انتهى.
          هذا سند على شرط مسلم.
          وعند ابن أبي حاتم في «العلل»: سألت أبي عن حديث رواه محمد بن منهال عن يزيد بن زُريع عن معمر عن أبي إسحاق عن أبيه عن حذيفة: قال النبي صلعم: «من غسَّل ميتًا فليغتسل» قال أبي: هذا غلط، ولم يبيِّن غلطه.
          وعند ابن أبي شيبة بسند صحيح: «أن عليًا لما غسَّل أباه أمره النبي صلعم أن يغتسل».
          وعن مكحول قال: «سأل رجلٌ حذيفةَ عن غسل الميت، فعلَّمه وقال: إذا فرغت فاغتسل».
          وعن الحارث عن علي: «من السنة: من غسَّل ميِّتًا اغتسل».
          وعن أبي إسحاق: «أن رجلين من أصحاب عليِّ وعبد الله غسَّلا ميتًا فاغتسل صاحب علي ولم يغتسل الآخر».
          وعن أبي قِلابة بسند صحيح: «أنه كان إذا غسل ميتًا اغتسل».
          وعند ابن المنذر، وهو قول ابن المسيب وابن سيرين والزهري، وهي رواية ابن القاسم عن مالك، وذكر ابن حبيب عن مالك: أن حديث الغسل من غسل الميِّت ضعَّفه بعضهم.
          وقال ابن العربي: قالت جماعة أهل الحديث: هو حديث ضعيف.
          وروى الدارقطني حديثًا صحيحًا عن ابن عمر: «فمنا من اغتسل، ومنا من لم يغتسل».
          وقال ابن التين: وحمله بعضهم على الاستحباب لا الوجوب.
          وقال الخطابي: لا أعلم أحدًا قال بوجوب الغسل منه، وأوجب أحمد وإسحاق الوضوء منه.