مصابيح الجامع

باب اليمين فيما لا يملك وفى المعصية وفى الغضب

          ░18▒ (باب الْيَمِينِ فِيمَا لَا يَمْلِكُ) ذكر فيه حديث أبي موسى في قضية حُمْلانِ الأشعريينَ بعدَ الحَلِف.
          قال ابنُ المنير: وهو مطابق للترجمة.
          قال ابن بطَّال: لأنه حلفَ حينَ لم يكنْ يملكُ ظَهْراً يحملُهم (1) عليه، فلما طرأَ الملكُ،حملَهم.
          وفُهم عن (2) البخاري: أنه نحا ناحيةَ تعليقِ الطلاق قبل مِلْك العصمة (3)، أو الحريةِ قبلَ ملكِ الرقبة.
          والظاهرُ مِن قصد البخاري غيرُ هذا، وهو أنَّ النبي صلعم / حلفَ أن لا يحملَهم، فلما حملهم، وراجعوه في يمينه، قال: ((مَا أنَا (4) حملتُكُمْ، ولكِنَّ اللهَ حملَكُمْ))، فبيَّن أنَّ يمينه إنما انعقدت فيما يملِكُه (5)، فلو حملَهم على ما يملكُه (6) لكفَّرَ، ولكنه حملَهم على مال الله(7).
          هذا مع (8) قصده ◙ من الأول أنه لا يحملهم على ما لا (9) يملِكُه بقرضٍ يتكلَّفُه (10)، ونحوِ ذلك، وبهذا (11) لا يكون ◙ قد حَنِثَ في يمينه.
          وأما قولُه ◙ عَقيبَ ذلك: ((لا أحلِفُ يميناً، فأَرَى غيْرَها خيْراً منهَا))، فتأسيسُ قاعدةٍ مبتدأٌ، كأنه يقول: ولو كنتُ حلفت (12) حلفاً (13) يقتضي الحالُ (14) الحنثَ فيها، لأحنَثْتُ نفسي، وكَفَّرْت عن يميني(15).
          وأما حلفُ الإنسان فيما لا يملكه؛ كقوله: واللهِ، لا وهبتك هذا الطعامَ. وهو لغيره، فملَكَه، فوهَبَه له، فإنه يحنَثُ، ولا يجري فيه الخلافُ الذي جرى في تعليق الطلاق على المِلْك، وإن كان ظاهرُ (16) ترجمة البخاري: أنَّ من حلفَ على ما لا (17) يملك مطلقاً نوى أو لم ينوِ ثمَّ ملكَه، لم (18) تلزمْه اليمين.
          وعلى هذا حُمل قولُه ◙ لأبي موسى.
          وقد بيَّنا أنه لا بدَّ من تقدير كونِه ◙ (19) نوى أوَّلًا أن لا يتكلَّفَ حملَهم من عندِ غيره، فلما زالت الكلفةُ، وجاء اللهُ بالخير تَخَلَّصَتِ (20) اليمينُ.
          ولم يذكر البخاري في الباب ما يناسب ترجمةَ اليمين على المعصية، إلَّا أن يريد: أن قوله: ((فأَرَى غيرَهَا خيْراً)) يقتضي أن الحِنْثَ يوقَع بفعلِ ما هو الأولى، فإيقاعهُ بترك المعصية أحقُّ، ولهذا يقتضي بحنث مَن حلفَ (21) على معصية من قبل أن يفعلها.
          وانظر هل يُقضى (22) على كل (23) من حلفَ بمعصية بحنثه ناجزاً، أو هذا في العاصي الذي يُقضى عليه بالحيلولة بينه وبينها، كشُربِ الخمر، وتركِ الصلاة الواجبة؟.
          فانظر لو حلف لا يَحُجُّنَّ أبداً، ولم يكن حَجَّ، وهو مستطيعٌ، هل يُقضى بِحِنثِهِ (24)، وإن كنا لا نحكم عليه بالحج، ولا نرسم عليه به، أو نقول له كما قال مالك في «الممتنِع (25)»: أبعدَكَ الله.
          وكذلك لو لزمته كفارةٌ، أو مَشْيٌ (26) إلى مكةَ، أو غيره (27) من النذور، فحلف بالطلاق لا يفعلُه؟ الظاهرُ أنه لا يُقضى عليه بالطَّلاق، ولكن نأمره خاصة.


[1] في (ف): ((ظهر فحملهم)).
[2] ((عن)): ليست في (ج) و(ف).
[3] في (ق): ((ملكه للعصمة)).
[4] في (ج): ((أنا ما))، وفي (ف): ((فقال أنا ما)).
[5] في (ف): ((يملك)).
[6] في (ف): ((على تملكه)).
[7] في (ق) زيادة: ((تعالى)).
[8] في (ق) زيادة: ((أن)).
[9] ((لا)): ليست في (ف).
[10] في (ج): ((بتكلفه))، وفي (ق): ((معترض يتكلف)).
[11] في (ف) و(ج): ((بهذا)).
[12] ((حلفت)): ليست في (م) و(ج).
[13] في (ج): ((حالفاً))، ((حلفاً)): مكانها بياض في (ف).
[14] في (ق): ((لحاله)).
[15] في (ف): ((يمينه)).
[16] في (ق): ((ظاهراً)).
[17] ((لا)): ليست في (ج) و(ف).
[18] ((لم)): ليست في (ق).
[19] قوله: ((لأبي موسى وقد بيَّنا أنه لا بدَّ من تقدير كونِه ◙)): ليس في (ج) و(ف).
[20] في (ف): ((لحصلت)).
[21] في (ق): ((حنث من يحلف)).
[22] في (ف) هنا والموضع التالي: ((يقتضي)).
[23] ((كل)): ليست في (ج) و(ف).
[24] في (ق): ((يقتضي تحنيثه)).
[25] في (ق): ((المتمتع)).
[26] في (ف): ((المشي)).
[27] في (ف): ((غيرها)).