مطالع الأنوار على صحاح الآثار

الميم مع السين

          الميم مع السِّين
          1241- قوله: «المسيح» [خ¦86] لم يختَلَفْ في ضبطِه كما هو في القرآنِ، وإنَّما اختُلِفَ في معناه، فقيل: لمسْحِه الأرضَ، فعيلٌ بمعنى فاعِل، وقيل: لأنَّه كان إذا مسَحَ ذا عاهةٍ برَأ من دائِه، وقيل: لأنَّه كان ممسوحَ القدَمِ لا أخمصَ له، وقيل: لأنَّ اللهَ تعالى مسَحَه؛ أي: خلَقَه خلْقاً حسَناً، والمَسْحة: الجمالُ والحُسْنُ، وقيل: لأنَّ زكريا مسحَه عندَ ولادتِه، وقيل: لأنَّه خرجَ ممسوحاً بالدُّهْنِ، وقيل: [بل] المسيحُ بمعنى الصِّدِّيق، كان بالشِّين المعجَمةِ فعُرِّبَ كما عُرِّبَ موسى، وقيل: كان أصلُه مشيحاً.
          وأمَّا «الدَّجَّالُ» فهو مثلُه في اللفظِ عندَ عامَّةِ أهلِ المعرفةِ والرِّوايةِ.
          ووقع عندَ شيخِنا أبي إسحاقَ بكسرِ الميم وشدِّ السِّين، وحكاه لنا القاضي ابن الحاجِّ عن أبي مروانَ بن سِرَاجٍ، قال: مَنْ كسرَ الميمَ شدَّ السِّين كشِرِّيبٍ، وأنكرَه الهرَويُّ وجعلَه تصحيفاً، ووجدتُه بخطِّ الأصيليِّ بكسرِ الميم وتخفيفِ السِّين، كذا في «كتابِ الأنبياءِ»، قال بعضُهم: كُسِرَتِ الميمُ للتَّفرِقةِ بينه وبين عيسى.
          وقال الحربيُّ: بعضُهم يكسِرُها في الدَّجَّالِ ويفتَحُها في عيسى، وكلٌّ سواءٌ، وقال أبو الهيثم: المسيح: بالحاء المهمَلةِ ضدُّ: «المسيخ» بالخاء المعجمة، مسحَه الله إذ خلقَه خلْقاً حسَناً، ومسخَ الدَّجَّالَ إذ خلقَه خلْقاً ملعوناً، قال الأميرُ ابنُ ماكولا: ردَّه عليَّ شيخي الصُّوريُّ بخاءٍ معجَمةٍ، وقال أبو بكرٍ الصُّوفيُّ: أهلُ الحديثِ وبعضُ أهلِ اللُّغةِ يفرِّقونَ بينهما، فيكسِرونَ الميمَ ويشدُّون السِّينَ.
          قال أبو عُبيدٍ: المسيح الممسوحُ العينِ، وبه سُمِّيَ الدَّجَّالُ، وقال غيرُه: / لمسحِه الأرضَ، فهو بمعنى فاعِل، وقيل: المسيحُ الأعورُ، وبه سمِّيَ، وقيل: أصلُه مشيحاً فعُرِّب، وعلى هذا اللفظِ ينطقُ به الآن العِبْرانيُّونَ، وقيل: التِّمْسَحُ والمِمسَحُ: الكذَّابُ، قاله ثعلبٌ، ولعلَّه بهذا سمِّيَ، ومثل: التِّمسَحُ والمِمْسَحُ: الماردُ الخبيثُ، فلعلَّه فَعِيْلٌ من هذا.
          وقوله: {فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} [ص:33]؛ قيل: ضَرَبَ أعناقَها وعَرْقَبَها. يقال: مسَحَه بالسَّيفِ؛ أي: ضرَبه، والمسْحُ: الضَّرْبُ والقَطْعُ، وقيل: مسَحَها بالماءِ بيدِه.
          وقوله في حديثِ الخَضِرِ: «فمسَحَ الجدارَ بيدِه فاستقامَ» [خ¦2267] الظَّاهرُ أنَّه أقامَه بمسحِ يدِه عليه، وقيل: كما يقيمُ القَلَّالُ الطِّينَ بمسْحِه.
          وقوله في «باب قولِ المريضِ إنِّي وجِعٌ»: «دخلتُ على النَّبيِّ صلعم وهو يوعَكُ(1) فسمِعتُه، فقلتُ: إنَّك لَتوعَكُ» كذا للكافَّةِ هنا.
          وعند أبي الهيثمِ: «فَمَسِسْتُه بيدي» [خ¦5660] بدلاً من «سمعتُه»، وهو الصَّوابُ، كما جاء في غيرِ هذا البابِ بغيرِ خِلافٍ.
          وقوله: «فينطلقونَ في مساكينِ المهاجرينَ، يجعلونَ بعضَهم على رقابِ بعضٍ» قال بعضُهم: لعلَّه: «في فيءِ مساكينِ [المهاجرينَ]»، والأشبَه أنَّه على ظاهرِه، وقد تقدَّم في حرفِ الجيم(2).
          1242- وقوله: «خذي فِرْصَةً ممَسَّكةً» [خ¦315]؛ أي: مطيَّبةً بالمِسْكِ، وقيل: فِرصةً ذاتَ مَسْكٍ؛ أي: جلدٍ، [يعني: قطعةَ صوفٍ على جِلْدِها، أو يكون من الإمساكِ بجلدِها؛ لأنَّه أضبطُ لها، وقال القُتَبيُّ: مُمَسَّكةً: محتملَةً في القُبُلِ.
          ورواه بعضُهم: «ممسِكةً» بكسر السِّينِ؛ أي: ذاتَ مساكٍ.
          وفي حديثٍ آخرَ: «فِرْصَةً من مسكٍ» [خ¦314] بفتحِ الميم وكسرِها، وبالفتحِ قيَّده الأصيليُّ ورواه مسلمٌ؛ أي: قطعةَ جلدٍ]
، وبكسر الميم: يعني المسكَ المعلومَ، وهي روايةُ الطَّبريِّ في مسلمٍ وبعضُ رواةِ البخاريِّ، وكذلك رواها الشَّافعيُّ وجماعةٌ، ويدلُّ على ترجيحِ هذه الرِّوايةِ قولُه في بعضِ الأحاديثِ: «فإنْ لم تجدي فَطِيْباً، فإنْ لم تفعَلي فالماءُ كافٍ».
          وقولها: «إنَّ أبا سفيانَ رجلٌ مِسِّيْكٌ» [خ¦2460] بكسرِ الميمِ [وشدِّ السِّينِ] ضبطَه أكثرُ المحدِّثينَ، وروايةُ المتقِنينَ بفتحِ الميمِ وتخفيفِ السِّينِ، وكذا للمُستملي، وكذا عند أبي بحرٍ، وبالوجهَينِ قيَّدتُه على أبي الحُسَينِ(3)، وكذا ذكره أهلُ اللُّغةِ؛ لأنَّ أمسكَ لا يُبنى منه / فعيلٌ، إنَّما يُبنى من الثُّلاثيِّ، وقد يقال: مَسِكة لغةٌ قليلةٌ.
          في حديثِ عُكَّاشةَ: «سبعونَ ألفاً متماسكينَ آخِذٌ بعضُهُم ببعضٍ» [خ¦6543] ظاهرُه أنَّ بعضَهم يُمْسِكُ يدَ بعضٍ حتَّى يَدْخُلوا صفَّاً واحداً، أو مرَّةً واحدةً، وقد جاء في مسلمٍ: «زمرةً واحدةً» وقد تقدَّم في اللَّام.
          في الحديثِ: «ويمسَخُ آخرينَ قِردةً وخنازيرَ» [خ¦5590]؛ أي: يبدِّلُ خلْقَهُم، وأصلُ المسْخِ: تغييرُ الخَلْقِ إلى التَّشويهِ.
          1243- قولها: «المسُّ مسُّ أرنبٍ» [خ¦5189] هو مثَلٌ لحسْنِ عِشْرَتِه ولينِ خلُقِه، كلَمْسِ جلدِ الأرنبِ.
          وقوله: «فأصبتُ منها ما دونَ أن أَمَسَّها» يعني: أنَّه لم يجامِعْها، والمسُّ والمَسِيْسُ: الجِماعُ، قال تعالى: {مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ}[البقرة:237].
          قوله: «على كلِّ سُلامَى صَدقةٌ، _وفيه:_ فإنَّه يُمسي _بسينٍ مُهمَلةٍ،_ «وقال أبو تَوبةَ: يمشي» بشينٍ معجَمةٍ، كذا في هذين الحرفَينِ، وعندَ الطَّبريِّ في الأوَّل: «يمشي» بالمعجَمةِ، «وقال أبو تَوبةَ: يُمْسِي» بالمُهملةِ، وفي حديثِ الدَّارِميِّ: بالمهملةِ، وفي حديثِ ابن نافعٍ: بالمعجَمةِ.
          وفي حديثِ زينبَ: «فدعَت بطيبٍ فمسَّتْ ثمَّ قالت» [خ¦1282]، كذا للأصِيليِّ وعُبدُوسٍ، ولغيرِهما: «فمسَّتْ به»؛ أي: فمسَّتْ منه، كما جاء في غيرِ هذا الموضِعِ.
          قوله في الزَّعْفَرانِ: «فأمَّا ما لم تَمَسَّه النَّارُ فلا يأكلُه المحرِمُ»، كذا لأكثرِ شيوخِنا بفتح السِّينِ، وأهلُ العربيَّةِ يأبَونَ ذلك، ويضُمُّونَ السِّينَ، وقد تقدَّمَ تعليلُه في الرَّاء.
          قوله: «ولم يجد موسى مَسَّاً من النَّصَبِ» [خ¦122] هو أوَّلُ ما يلحقُه ويُحِسُّ به من التَّعبِ.


[1] في (س): (موجع).
[2] تحرف في الأصول إلى (الميم)
[3] في (س): (علي).