مطالع الأنوار على صحاح الآثار

الكاف مع الفاء

          الكَاف مع الفَاء
          1065- قوله: «تَتَكَافَأُ دِماؤُهُم»؛ أي: يتساوون في القصاص والدِّيات شريفُهم ومشرُوفهم، والكفُؤ: المثل، والكفيء: المثيل.
          [قوله: «تَتَكَفَّؤُها الرِّيحُ» [خ¦7466] تميلها يميناً وشمالاً كما قال في الحديث الآخر: «تميلها». وقوله: و«المُؤمِنُ يُكَفَّأُ بالبَلَاءِ» [خ¦7466]؛ أي: المصائب، تصيبه مرَّة وتتركه أخرى؛ لتكفير خطاياه].
          وقوله في الأرضِ: «يَتَكَفَّؤُهَا الجَبَّار بيده» [خ¦6520]؛ أي: يقلبها ويميلها إلى هاهنا وإلى هاهنا بقُدرَتِه، وقيل: يضمُّها، ومثله: {وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر:67] والله سُبحانه يتنَزَّه عن الجارِحَة وصِفاتِ المَخلُوقِين.
          وقوله: «إذا مَشَى تكفَّأ»؛ أي: تمايل كما تتمايل السَّفينة يميناً وشمالاً، قال الأزهريُّ: هذا خطأ؛ وهذه مشْيَة المُختال، وإنَّما معناه: أنَّه يميل إلى جهةِ ممشاه ومَقصده كما قال في الحديثِ الآخرِ: «كأنَّما يَمشِي في صَبَبٍ»، قال القاضي أبو الفضل: هذا لا يقتضيه اللَّفظُ وإنَّما يكون مذموماً إذا استُعمِل وقُصِد، وأمَّا إن كان خِلْقةً فلا.
          قوله: «وأكفِئوا الإناء» [خ¦2012] بقطع الألف رويناه، وكسر الفاء وبوصلها أيضاً، وفتح الفاء وهما لغتان، ومعناه اقلبوه ولا تتركوه يلحسه الشَّيطان والهوام ذوات الأقذار،وقال بعضهم: كفأتُ: قلبتُ، وأكفأت أملت، وهو مَذهبُ الكسائيِّ.
          وقوله: «فأضَعُ السَّيفَ / في بَطْنِه ثم أَنْكَفِئُ عليه» [خ¦4040]؛ أي: أميل عليه بنفسي. وفي حديثِ الوُضوءِ: «فأَكْفَأه على يَدَيه» يعني الإناءَ، كذا للأصيليِّ.
          وعند القابسيِّ: «فكَفَأَه» [خ¦192] في «باب مَسحِ الرَّأس مرَّةً».
          وقوله: «فأمر بالقُدُور فكُفِئَت» [خ¦2488]؛ أي: قلبت بما فيها وأميلت حتَّى يهراق ما فيها، وقوله: «لتَكْتَفِئَ».
          ويروى: «لِتَكْفَأَ» [خ¦2149]، و«ولتَسْتَكْفِئَ ما في صَحْفَتِها» [خ¦2723]؛ أي: تقلبه لتفرغه من خير زَوجِها؛ لطلاقه إياها، وقد تُسهَّل الهمزة.
          وقوله: «فانْكَفَأتُ إليهِنَّ» [خ¦922] و«انْكَفَأ إلى شَاتَين» [خ¦5554]؛ أي: رجع عن سنن قصده الأوَّل إلى ذلك، وكلُّه بمعنى الميل والانقلاب، ومنه: «وأَكْفَأ بيَدِه» [خ¦264]؛ أي: قلبها وأمالها.
          1066- وقوله: «اكْفِتُوا صِبيانَكم» [خ¦3316]؛ أي: ضُمُّوهم إليكم واقبِضُوهم، وكلُّ ما ضمَمْته فقد كفته.
          وقوله: «ولا يَكفِتَ شَعراً ولا ثَوباً» [خ¦812] بكسر الفاء وفتح الياء؛ أي: لا يضمه ولا يقبضه، ومنه قوله تعالى: {نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا. أَحْيَاء وَأَمْوَاتًا} [المرسلات:25-26]؛ أي: ضامة تضمُّكم في منازلكم أحياء وأمواتاً، وقال بعضُهم: «تكفت»: تستر، ولا يصح.
          1067- وقوله صلعم: «لا تَرْجِعُوا بَعدِي كُفَّاراً» [خ¦121] قيل: بالنِّعم الَّتي خوِّلتم حتَّى تفانيتم عليها، وقيل: يكفِّر بعضكم بعضاً كما فعَلَت الخوارجُ، وقيل: متكفِّرين بالسِّلاح؛ أي: مستترين فيها، وأصلُ التَّكفيرِ السِّترُ والجحدُ؛ لأنَّ الكافرَ جاحدٌ نعمةَ ربِّه عليه وساترٌ لها بكُفرِه.
          ومنه: «يَكْفُرْنَ العَشِيرَ» [خ¦29] يعني: الزَّوج؛ أي: يجحدن إحسانه كما فسِّر في الحديث.
          وقوله: «وفلان كافر بالعُرُش»؛ أي: لم يُسْلِم بعدُ، والعُرُش بيوت مكَّةَ، وقيل: مقيم بها مستتر فيها، وقيل: مقيم بالكفور وهي بيوت مكَّة، وتُسمَّى العُرُش.
          وقوله: «من أتى عَرَّافاً فقد كفَر بما أُنزِلَ على محمَّدٍ»؛ أي: جحد تصديقه بكذبهم، وقد يكون على هذا إذا اعتقد تصديقهم بعد معرفته بتكذيب النَّبيِّ صلعم / إياهم كفراً حقيقِيَّاً.
          ومثلُه: «أصْبَحَ من عِبَادِي مُؤْمِنٌ بي وكَافِرٌ» [خ¦846] فمنِ اعتقَد أنَّ النَّجم فاعل ومُدبِّر فهو كافرٌ حقيقةً، ومَن قال ذلك عَادَةً وتجرِبَة فقيل ذلك فيه لعُمُومِ اللَّفظ، أو كافرُ نِعمَة الله تعالى في المطرِ؛ إذ لم يضفِ النِّعمة إلى ربِّها، أو أنَّه ليس في هذا جاء الحديثُ ولا بأس به، وهو قولُ أكثر العلماء.
          وقوله: «الكُفـرَّى» [خ¦65-7119] بضمِّ الكاف وفتح الفاء وضمِّها وتشديد الرَّاء مقصور، هو وِعاء الطَّلع وقشره الأعلى، هذا قول الأصمعيِّ، وهو الكافورُ والكَفْرُ أيضاً، وقال بعضُ أهل اللُّغة: وعاءُ كلِّ شيءٍ كافوره، وقال الخَطَّابيُّ: «الكُفَرَّى» الطَّلع بما فيه، وقال الفرَّاء: هو الطَّلع حين ينشقُّ، قال أبو عليٍّ: وقولُ الأصمعيِّ هو الصَّحيحُ، وقوله في الحديث الآخر: «قِشْرُ الكُفُرَّى» [خ¦65-7058] يصحِّح قول من قال: إنَّه وعاء الطَّلع، وهو قول الأصمعيِّ.
          قوله: «إنَّه كان يلقي في البَخور كافوراً» هو هذا الطِّيب المعلومُ، يقال: بالكاف والقاف، وقيل: فيه قفور، قال ابنُ دُريدٍ: وأحسبُه ليس بعَربيٍّ محضٍ.
          قوله في الدُّعاءِ آخر الطَّعام: «غيرَ مَكْفِيٍّ ولا مَكفُورٍ» [خ¦5459] رواه الحربيُّ(1).
          ورُوِي: «غيرَ مُكفَأ»، ومرادُه بهذا كلِّه: الطَّعام، وإليه يعود الضَّمير، قاله الحربيُّ، والمَكفِيُّ الإناءُ المقلوبُ؛ للاستغناء عنه، كما قال: «غيرَ مُستَغْنًى عنه»، أو لعدمه أيضاً، و«غيرَ مَكْفُورٍ» غير مجحود نعمة الله فيه، بل مشكورةٌ غير مستورة الاعتراف بها ولا متروك(2) الحمد عليها، وذهَب الخَطَّابيُّ إلى أنَّ المرادَ بهذا الدُّعاءِ كلِّه الباري سبحانه، وأنَّ الضَّميرَ يعود إليه، وأنَّ معنى قوله: «غيرَ مَكْفِيّ»؛ أي: إنَّه يُطْعِم ولا يُطْعَم، كأنَّه هنا من الكفايةِ، وإلى هذا ذهَب غيرُه في تفسيرِ هذا الحرف؛ أي: أنَّه تعالى مُستغنٍ عن مُعينٍ وظَهيرٍ.
          وقوله: «ولا مُوَدَّعٍ» [خ¦5458]؛ أي: غير متروك الطَّلب إليه والرَّغبة له، وهو بمعنى المستغنى / عنه.
          وينتصب «ربَّنا» على هذا بالاختصاص والمدح، أو بالنِّداء، كأنَّه قال: يا ربَّنا اسمع حمدنا ودعاءنا، ومن رفع قطَع وجعَله خبراً، وكذا قيَّده الأصيليُّ، كأنَّه قال: ذاك ربُّنا، أو هو ربُّنا، أو أنت ربُّنا، ويصِحُّ فيه الكسر على البدل من الاسم في قوله: «الحمدُ لله».
          وقوله: «والكافرُ يأكل في سَبْعَةِ أمعاءٍ» [خ¦5393] قيل: هو رجلٌ مخصوصٌ، وقيل: بل كلُّ كافرٍ.
          1068- وقوله: «تكَفَّل الله» [خ¦3123] و«كفَلَهَم عشائِرَهُم» [خ¦2290] هذا كلُّه بمعنى الضَّمان، كفَل يكفُل، وحُكِي كفِل يكفَل، وتكون الكفالة بمعنى الحياطة، و«كافلُ اليتيمِ» [خ¦5304] حائطُه وحاضنُه القائم بأمرِه.
          و«كِفلٌ من دَمِها» [خ¦3335]؛ أي: نصِيبٌ، وقال الخليلُ: ضِعفٌ، ويُستعمَل في الأجرِ والوِزرِ، قال تعالى: {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ} [الحديد:28]، وقال: {شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا} [النساء:85].
          1069- قوله: «إذا كفَّن أحدُكم أخاه فليُحْسِن كفْنَه» بإسكان الفاء، هو الفعل وهو أعمُّ؛ لأنَّه يشتمل على الثَّوبِ وهيئته وعملِه، وبالفتحِ في كتابِ التَّميميِّ، يعني الثَّوبَ الذي يكفنه فيه.
          قوله: «فأُهدي لنا شاةٌ وكَفَنَها»؛ أي: ما يغطيها من الأقراص والرُّغف.
          1070- قوله: «ولا يكفُّ شعراً» [خ¦809]؛ أي: لا يضمُّ ويجمع فيَعْقِصُ الشَّعر ويحتزم على الثَّوبِ، ويروى في غير هذه الأصول(3) : «ولا يكفِتَ» [خ¦812] والمعنى واحد.
          وقوله: «يتَكَفَّفون النَّاس» [خ¦1295]؛ أي: يسألونهم أن يعطوهم في أكفِّهم، وفي الحديثِ الآخرِ: «يتَكفَّفون منها» [خ¦7046]؛ أي: يتناوَلون منها بأكُفِّهم.
          وقوله: «يكفُّ ماءَ وجهِه»؛ أي: يصونه ويقبضه عن بذلِ السُّؤال وأصله المنع.
          وفي إسلام عمرَ ☺: «وعليه _يعني: العاصي بن وائل_ قَمِيصٌ مَكفُوفٌ» [خ¦3864]؛ أي: له كفَّة؛ وهي الطُّرَّة تكون فيه من ديباج وشبهه، و«كِفَّة الميزان» بكسر الكاف وكذلك كلُّ مُستدير، وكُفَّة الثَّوب وكُفَّة الحائل، / وكلُّ مستطيل فهي بالضَّمِّ.
          وقوله: «مَضْمَض واسْتَنشَق من كفَّة واحدةٍ» [خ¦191] هذا بالضَّمِّ والفتح مثل غُرفة وغَرفة؛ أي: ملء كفِّه من ماء، وقولُ أمِّ سلمَةَ: «كُفِّي رَأسِي»؛ أي: اجمعيه وضُمِّي أطرافه، وقال بعضُهم: «كفِّي عن رأسي»؛ أي: دعيه وانقبضي عن مشطه حتَّى أسمع الخطبة.
          وقوله: «نجَوْتُ منها كَفافاً» [خ¦7218]؛ أي: لا عليَّ ولا ليَّ.
          وقوله: «وجَعَلْت أكُفُّها» يعني: البَغلة؛ أي: أقبضها عن السَّير وأمنعها، وقيل: به سُمِّيت كفُّ الإنسانِ؛ لأنَّه يكفُّ بها عن سائرِ البدَن، وقيل: لأنَّ بها يضمُّ ويجمع، وهي مذَّكرة، وقد جاء في مسلمٍ: «من كَفٍّ واحِدَةٍ» وهي لغةٌ في التَّأنيثِ، أو على معنى الجارِحَة.
          1071- ومعنى: «كفَى الله» [خ¦2291]، و«يكفني الله» بمعنى صرف ومنع، وكفاني الشَّيء قاتني وأغناني عن غيرِه، «وإن كانَت لكَافِيَة» [خ¦3265]، و«الكُفَاةُ» الخدم الذين يَكْفُونَ العمل ومُؤنته وتعَبَه.
          وقوله: «سيفتح الله علَيكُم أراضٍ ويَكْفِيكُمُ الله»؛ أي: يكفيكم الله القتال بما فتح عليكم، وظهور دينكم؛ أي: لا يوجب ذلك من حكم الرَّمي والتَّدرُّب في أمور الحَربِ للحاجةِ إليها يوماً ما.
          قوله: «من قرأ الآيتَين من آخر سورةِ البقرةِ كفتَاه» [خ¦4008]؛ أي: من كلِّ ما يحذره من هامَّة وشيطانٍ فلا يقربه ليلته.


[1] في (ن): (الحموي).
[2] لفظة: (متروك) زيادة من نسخة الملك عبد العزيز، وهو الموافق لما في «المشارق».
[3] كذا قال تبعاً للمشارق، وهو في الصحيحين كما في التخريج.