غاية التوضيح

باب الدواء بالعسل

          ░4▒ (بَابُ الدَّوَاءِ بِالْعَسَلِ)
          وهو طَلٌّ(1) خفيٌّ يقع على الزَّهر(2) وعلى غيرِهِ، فيلتقطه النَّحلُ المتغذِّي، والادِّخار وهو بخارٌ يصعد فينضج في الجوِّ ويغلظ في اللَّيل، وأجودُهُ الصَّادقُ الحلاوةِ والطَّيِّبُ الرَّائحة، المائل إلى الحرافة وإلى البياض، وقيل: إلى الحُمْرة النَّاصعة، المتعدِّل القوام، اللَّزج الذي لا ينقطع، وأفضلُهُ الرَّبيعيُّ ثمَّ الصَّيفيُّ، وأمَّا الشِّتائيُّ؛ فرديءٌ لقطُهُ، ونوعٌ من العسل الخريفيِّ إذا شمَّ؛ يعطس ويغشى ويزيل العقل، فلا ينبغي أن يُؤكَلَ، وتُدفَع مضرَّتُهُ بالقيء بعد شربِ الماء والسَّمك والملح والسِّيلاب، ثمَّ ما يوجد في الجبال والشَّجر أجودُ ممَّا يوجد في الخلايا، وطبعُ العسلِ حارٌّ يابسٌ في الدَّرجة الثَّانية، محلِّلٌ للرُّطوبات، نافعٌ للمشايخ وأصحاب البلغم، ولمن كان مزاجُهُ باردًا، واستعمالُهُ على الرِّيق يُذيب البلغمَ، ويغسل ثقل المعدةِ الباردة ويقوِّيها، ويسهِّل البطن، ويجلو ظلمةَ البصرِ شربًا واكتحالًا به، وينقِّي القروحَ الوسخةَ، ويمنع العفونةَ؛ ولذلك يُوضَع فيه الميتُ فيحفظهُ عنِ الفساد، والعسلُ إذا سُخِّن مع دهن الورد ينفع من نهش الهوامِّ وشربُ الأفيون والسَّعال، والعسلُ إذا شُرِب بالماء؛ ينقِّي الصَّدرَ من الفضول، ويقوِّي شهوةَ الجماع، وماءُ العسلِ غايةٌ للمفلوجين والأمراض الباردة، وصنعتُهُ أن يكونَ العسلُ جزءًا والماءُ عشرةَ أجزاءٍ، ويُطبَخ حتَّى يبقى الثُّلثان؛ ويعني: الثُّلث ونوعٌ آخرُ من ماء العسل يستعمله من يعتادُهُ وجعُ القولنج؛ وهو أن يطبخَ رطلَ عسلٍ في ستَّةِ أرطالِ / ماءٍ، وينزع رعونة باستقصاءٍ حتَّى يصيرَ في قوام الجلاب، وتُلقَى فيه عند قرب الفراغ من الطَّبخ صرَّةٌ فيها درهمٌ من الفلفل المسحوق، قالوا: العسلُ مُضِرٌّ بالشُّبَّان وأصحاب الأمزجة الحارَّة، وإكثارُهُ مُحرِقٌ للدَّم ومُقيِّءٌ، وإصلاحه بماء العذاب أوِ الإجاص أو حماض الأترجِّ وربوب الفواكه، وقدرُ الشُّربةِ منه أوقيةٌ، هذا كلُّهُ مسطورٌ في كتب الطِّبِّ.
          وقال القسطلانيُّ: روينا عن عليٍّ كرَّمَ اللهُ وجهَهُ: (إذا أراد أحدُكمُ الشِّفاءَ؛ فليكتبْ آيةً من كتاب الله تعالى، وليغسلْها بماء السَّماء، وليأخذْ من امرأتِهِ درهمًا عن طيبِ نفسٍ منها، فليشترِ به عسلًا، فليشربْهُ كذلك، فإنَّه شفاءٌ)، ورواهُ ابنُ أبي حاتمٍ في «تفسيرِهِ» بسندٍ حسنٍ بلفظ: (إذا اشتكى أحدُكم؛ فليستوهبْ من امرأتِهِ من صَدَاقِها، فليشترِ به عسلًا، ثمَّ يأخذ الماء، فيجمع هنيئًا مريئًا شفاءً مُبارَكًا)، وفي حديث ابن مسعودٍ رَفَعَهُ: «عليكم بالشِّفاءين: العسل والقرآن» انتهى، وفي «الصِّراط المستقيم» لمجد الدِّين: (أنَّه صلعم يحبُّ الحلواءَ والعسلَ، ويأكلهما كثيرًا، ويشرب كلَّ يومٍ قدحًا من العسل ممزوجًا بماءٍ، ويصير على ذلك حتَّى يحصل به اشتهاءُ الطَّعام، فيأكل الطَّعام) انتهى


[1] في الأصل: (ظلٌّ)، وهو تصحيفٌ.
[2] في الأصل: (الزَّهريِّ)، والمثبت من المصادر.