تعليقة على صحيح البخاري

باب إقامة الحدود والانتقام لحرمات الله

          ░10▒ (بَابُ إِقَامَةِ الْحُدُودِ وَالانْتِقَامِ لِحُرُمَاتِ اللهِ)؛ الحديث.
          يحتمل أن يكون هذا التَّخيير ليس من الله؛ لأنَّ الله تعالى لا يخيِّر رسوله بين أمرين [عليه في أحدهما إثم، فمعنى هذا الحديث: ما خيَّر رسول الله صلعم أصحابه بين أن يختار لهم أمرين](1) من أمور الدُّنيا على سبيل المشورة والإرشاد إلَّا(2) اختار لهم أيسرهما ما لم يكن عليهم في الأيسر إثم(3) ؛ لأنَّ العباد غير معصومين مِن ارتكاب الإثم، ويحتمل أن يكون: ما لم يكن إثمًا في أمور الدين(4) ؛ وذلك أنَّ الغلوَّ في الدِّين مذموم، والتَّشديد(5) فيه غير محمود؛ لقوله ◙: «إيَّاكم والغلوَّ في الدِّين، فإنَّما هلك مَن كان قبلكم بالغلوِّ في الدِّين»، فإذا أوجب الإنسان على نفسه شيئًا شاقًّا من العبادة، ثمَّ لم يقدر على التمادي فيه؛ كان ذلك إثمًا، ولذلك نهى الشَّارع أصحابه عن التَّرهيب، قال أبو قلابة: بلغ رسول الله صلعم أنَّ قومًا حرَّموا الطِّيب واللَّحم، منهم عثمان بن مظعون وابن مسعود، وأرادوا أن يختصموا، فقام على المنبر، فأوعد في ذلك وعدًا شديدًا، ثمَّ قال: «إني لم أبعث بالرَّهبانيَّة، وإنَّ خير الدِّين عند الله الحنفيَّة السَّمحة، وإنَّ أهل الكتاب إنَّما هلكوا بالتَّشديد، شدَّدوا، فَشُدِّد عليهم»، ثمَّ قال: «اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وأقيموا الصَّلاة، وآتوا الزَّكاة، وحجُّوا البيت، واستقيموا؛ يستقم لكم».


[1] ما بين معقوفين مستدرك من كتاب «التوضيح لشرح الجامع الصحيح»، وكذا في جميع المواضع اللاحقة.
[2] في (أ): (وإلا).
[3] في (أ): (إثمًا).
[4] في (أ): (الدنيا).
[5] في (أ): (والشديد).