التلويح شرح الجامع الصحيح

باب ما يصلى بعد العصر من الفوائت ونحوها

          ░33▒ (بَابٌ مَا يُصَلَّى بَعْدَ العَصْرِ مِنَ الفَوَائِتِ وَنَحْوِهَا)
          وَقَالَ كُرَيْبٌ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: صَلَّى النَّبِيُّ صلعم بَعْدَ العَصْرِ رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ: «شَغَلَنِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ القَيْسِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ».
          هذا التعليق أخرجه مسندًا في السهو، وفي وفد عبد القيس.
          عنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ، عنِ ابنِ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرو بنِ الحارثِ، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، أَنَّ ابنَ عَبَّاسٍ وَالمِسْوَرَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَزْهَرَ أَرْسَلُوهُ إِلَى عَائِشَةَ، فَقَالُوا: اقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنَّا / جَمِيعًا، وَسَلْهَا عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ صَلَاةِ العَصْرِ، وَقُلْ لَهَا: إِنَّا أُخْبِرْنَا أَنَّكِ تُصَلِّيهمَا، وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلعم نَهَى عَنْهُمَا، وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: وَكُنْتُ أَضْرِبُ النَّاسَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ عَنْهمَا، قَالَ كُرَيْبٌ: فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَبَلَّغْتُهَا مَا أَرْسَلُونِي به، فَقَالَتْ: سَلْ أُمَّ سَلَمَةَ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِمْ، فَأَخْبَرْتُهُمْ بِقَوْلِهَا، فَرَدُّونِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ بِمِثْلِ مَا أَرْسَلُونِي بِهِ إِلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلعم يَنْهَى عَنْهُمَا، ثُمَّ رَأَيْتُهُ يُصَلِّيهِمَا حِينَ صَلَّى العَصْرَ، ثُمَّ دَخَلَ عليَّ وَعِنْدِي نِسْوَةٌ مِنْ بَنِي حَرَامٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ الجَارِيَةَ، وَقُلْتُ: قُومِي بِجَنْبِهِ وَقُولِي: تَقُولُ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ، سَمِعْتُكَ تَنْهَى عَنْ هَاتَيْنِ، وَأَرَاكَ تُصَلِّيهِمَا، فَإِنْ أَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأْخِرِي، فَفَعَلَتِ الجَارِيَةُ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ، فَاسْتَأْخَرَتْ عَنْهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ، سَأَلْتِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ، وَإِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ القَيْسِ، شَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَهُمَا هَاتَانِ».
          وعند مسلم: «ناسٌ منْ عَبْدِ القَيْسِ بِالإِسْلَامِ مِنْ قَوْمِهِمْ».
          وعند البيهقي: قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلعم ذَاتَ يَوْمٍ بَعْدَ العَصْرِ، فَصَلَّى [عندي] رَكْعَتَيْنِ لَمْ أَكُنْ أرَاهُ يُصَلِّيْهِمَا، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ لَقَدْ صَلَّيْتَ صَلاةً لمْ أَكُنْ أَرَاكَ تُصَلِّيْها، قَالَ: «إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، وَإِنَّهُ قَدِمَ عَلَيَّ وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ أَوْ صَدَقَةٌ شَغَلُونِي عَنْهُمَا فَهُمَا هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ».
          وعند أحمد: قَدِمَ عَلَيَّ مَالٌ، فَشَغَلَنِي عَنْ رَكْعَتَيْنِ كُنْتُ أَرْكَعُهُمَا بَعْدَ الظُّهْرِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَنقْضِيهِمَا إِذَا فَاتَتْنَا، قَالَ: «لَا».
          وعند ابن ماجهْ: من حديث يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، أنَّ النبيَّ صلعم بَيْنَمَا هُوَ يَتَوَضَّأُ فِي بَيْتِي لِلظُّهْرِ، وَكَانَ قَدْ بَعَثَ سَاعِيًا، وَكَثُرَ عِنْدَهُ المُهَاجِرُونَ وَكان قَدْ أَهَمَّهُ شَأْنُهُمْ، إِذْ ضُرِبَ البَابُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ، فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ جَلَسَ يَقْسِمُ مَا جَاءَ بِهِ السَّاعِي، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى العَصْرِ، ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلِي فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ: «شَغَلَنِي أَمْرُ السَّاعِي أَنْ أُصَلِّيَهُمَا بَعْدَ الظُّهْرِ».
          وعند الترمذي عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ: «إِنَّمَا صَلَّى النَّبِيُّ صلعم الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ، لِأَنَّهُ أَتَاهُ مَالٌ فَشَغَلَهُ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، فَصَلَّاهُمَا بَعْدَ العَصْرِ ثُمَّ لَمْ يَعُدْ لَهُمَا». وقال: حديث حسن، قال: وقد رُوِيَ عن غير واحد عن النبيِّ صلعم أنه صلَّى بعد العصر ركعتين. وهذا خلاف ما رُوي [عنه] أنه نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وحديث ابن عباس أصح حيثُ قال: لم يَعُدْ لهما.
          وقوله: (كنتُ أَضْرِبُ الناسَ عليهَا) هذه الرواية الصحيحة، وفي رواية: (أَصْرِفُ) بالفاء والصاد المهملة.
          واختلف في الإشارة في الصلاة / فقال مالك والشافعي: لا تقطع الصلاة، وعند أبي حنيفة وأصحابه تقطع الصلاةَ كالكلام مستدلين بما رواه أبو داود مرفوعًا: «مَنْ أَشَارَ إِشَارَةً تُفْهَمُ عَنْهُ فَلْيُعِد الصَّلَاةَ».
          ثم قال: هذا الحديث وَهْم، وعند الدَّارَقُطْني أن ابنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يُصَلِّيْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ المَغْرِبِ فَأَنْكَرَهَا عَلَيْهِ مُعَاوِيَةُ فألجأ الحديث إلى أمِّ سلمة أنَّ رسول الله صلعم كان يصليهما قبل العصر فَشُغِلَ عنهما فَصَلَّاهُمَا قبل المغرب، وأنها لم تَرَهُ صلاهما قبلُ ولا بعدُ.