التنبيهات المجملة على المواضع المشكلة

وهم ثالث في بعض روايات حديث الإفك

           ░4▒ ومنها: ما وقع في حديث الإفك الذي رواه ابن شهاب، عمَّن تقدَّم من(1) شيوخه، عن عائشة ♦ أنَّ النَّبيَّ صلعم لما قام على المنبر؛ فقال: «يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ؛ مَنْ يَعْذِرُنِي في رَجُلٍ قَدْ بَلَغَ أَذَاهُ فِي أَهْلِ بَيْتِي...» الحديث، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الأَنْصَارِيُّ ☺ ، فَقَالَ: أَنَا أَعْذِرُكَ مِنْهُ يَا رَسُولَ الله، إِنْ كَانَ مِنَ الأَوْسِ ضَرَبْنا عُنُقَهُ، وَإِنْ يكن مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ، قَالَتْ: فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الخَزْرَجِ، وَكَانَ [قَبْلَ ذَلِكَ](2) رَجُلًا صَالِحًا، وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الحَمِيَّةُ، فَقَالَ لِسَعْد بن معاذ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللهِ لاَ تَقْتُلُهُ / ، وَلاَ تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ، فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللهِ لَنَقْتُلَنَّهُ... الحديث، هذا لفظ مسلم، من طريق يونس ومعمر، عن الزُّهريِّ، وقال: السياق لمعمر.
          ثم رواه من حديث فُليح بن سليمان، عن الزُّهريِّ، ومن طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن صالح بن كيسان، عن الزُّهريِّ.
          وأخرجه البخاريُّ في «المغازي»، عن عبد العزيز(3) بن عبد الله، عن إبراهيم بن سعد، وقال فيه: فقام سعدٌ أخو بني عبد الأشهل فقال: أنا يا رسول الله، ثمَّ ذكر كلام سعد بن عبادة، ثمَّ قال: فقام أُسيد بن حُضير، وهو ابن عم سعد.
          ورواه في «التَّفسير» من طريق يونس، عن الزُّهريِّ، بمثل حديث مسلم، وصرَّح فيه بنسب سعد بن معاذ، وكلامه يومئذٍ.
          ووجه الإشكال أنَّ قضية الإفك كانت في مرجع النَّبيِّ صلعم من غزوة بني المصطلق، وكانت غزوة بني المصطلق في شعبان من السنة السادسة، قاله ابن إسحاق، وأبو حاتم بن حبَّان، وابن حزم، وجماعة كثيرون، وكان سعد بن معاذ ☺ قد مات قبل ذلك بمدَّة؛ لأنَّه توفِّي عقيب غزوة الخندق، بعد حكمه في بني قريظة، وكانت غزوة الخندق في شهر ربيع الأوَّل سنة خمس على ما ذكر ابن إسحاق، وقال موسى بن عقبة: كانت في شوال سنة أربع، ورجَّح هذا ابن حزم لما في «الصَّحيحين» عن ابن عمر ☻ قال: عُرِضت على النَّبيِّ صلعم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة فلم يجزني، ثمَّ عُرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني.
          وغزوة أحد كانت في شوال سنة ثلاثٍ بلا خلاف، فتكون / وفاة سعد بن معاذ ☺ على هذا القول أقدم، ممَّا قال ابن إسحاق، والمدِّة بين ذلك وبين قصَّة الإفك أطول، لكن ذكر البخاريُّ في «صحيحه»، عن موسى بن عقبة أنَّ(4) غزوة بني(5) المصطلق كانت سنة أربع، ومع ذلك فقد ذكر موسى بن عقبة في «مغازيه»: أنَّ غزوة الخندق وبني قريظة، كانتا قبل غزوة بني المصطلق، فتكون وفاة سعد بن معاذ قبل ذلك على قوله أيضًا، وذكر ابن هشام في «السير»: عن ابن عمرو المدني أنَّ غزوة بني المصطلق كانت بعد بني النضير، قبل الخندق، وعلى هذا فلا إشكال.
          وحديث الإفك رواه ابن إسحاق في «مغازيه»، عن ابن شهاب عن أشياخه، قال: وحدَّثني يحيى بن عبَّاد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن عائشة.
          (ح) وعبد الله بن أبي بكر، عن عَمرة عن عائشة، فذكر القصَّة بطولها، وجعل المحاورة فيها بين أُسيد بن حُضير، وسعد بن عبادة فقط، ولم يذكر سعد بن معاذ أصلًا، بل جعل أُسيد بن حُضير هو القائل: يا رسول الله؛ إن يكونوا من الأوس نكفكم، وإن يكونوا من إخواننا من الخزرج فمرنا بأمرك.
          وذاكرت الحافظ أبا عبد الله الذهبيِّ بهذا، فذكر لي أنَّ المتكلِّم أوَّلًا يومئذٍ من الأوس: عَبَّاد بن بِشر، وأنه جاء كذلك في رواية، ولم أقف على هذه الرِّواية إلى الآن، والله سبحانه أعلم.


[1] في الأصل: ((عن)).
[2] ((قبل ذلك)): ليس في الأصل.
[3] في الأصل: عبد الله.
[4] في الأصل: ((عن)).
[5] في الأصل: ((بن)).