التنبيهات المجملة على المواضع المشكلة

حديث: إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون

           ░13▒ ومسألة أيضًا: ما روى الترمذيُّ في «كتاب الزهد» من «جامعه» من طريق إِبْرَاهِيمَ بْنِ المُهَاجِرِ(1) ، عن مجاهد، عن مُوَرِّقٍ العجليِّ، عن أبي ذرٍّ ☺ : أنَّ رسولَ اللهِ صلعم قال: «إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ، وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ، أَطَّتِ السَّمَاءُ، وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ سَاجِدٌ»، وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُ.
          وقال فيه: هذا حديث حسن غريب، ويروى عن أبي ذرٍّ موقوفًا.
          فهذا الفصل المشتمل على التَّمني(2) آخر الحديث لا يجوز أن يكون من قول النَّبيِّ صلعم مع عظم منزلته عند الله تعالى، وما جعل الله على يديه من هداية الأمَّة، وما أعلمه الله به من منزلته يوم القيامة، وأنَّه مغفور له ما تقدَّم وما تأخَّر، إلى غير ذلك، بل هو من قول أبي ذرٍّ ☺ ، / بيَّن ذلك القاضي عياض وغيره، وأنَّه روى ذلك مصرحًا به أنَّه من قول أبي ذرٍّ، وأُدرج في الحديث، إن لم يكن كلُّه موقوفًا، وفي كون أوَّله موقوفًا نظر أيضًا؛ إذ لا يقول أبي(3) ذر ☺ : «إني أرى ما لا ترون، وأسمع مالا تسمعون»، بل هذا ظاهر في أنَّه كلام النبوَّة، فوهِم من وقف جملة الحديث؛ كما وهم من أدرج الفصل الأخير فيه، والأقوى التفصيل، والله أعلم.


[1] في الأصل: ((مهاجر)).
[2] في الأصل: ((النهي)).
[3] ((أبي)): ليس في الأصل.