التنبيهات المجملة على المواضع المشكلة

حديث أنس: أنه رأى في يد النَّبي خاتم من ورق

           ░18▒ ومنها: ما في «الصَّحيحين» أيضًا من طريق الليث بن سعد، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهابٍ قال: حدَّثني أنس بن مالك ☺ : أنَّه رأى في يد النَّبيِّ صلعم خاتمًا من وَرِق يومًا واحدًا، ثم إنَّ النَّاس اصطنعوا الخواتم من وَرِق، ولبسوها، فطرح النَّبيُّ صلعم خاتمه، فطرح الناس خواتيمهم.
          قال البخاريُّ: وتابعه إبراهيم بن سعد، وزياد؛ يعني: ابن سعد، وشعيب؛ يعني: ابن أبي حمزة، عن الزُّهريِّ، وأسنده مسلم من طريق إبراهيم بن سعد، وزياد بن سعد، بهذا اللفظ.
          قال القاضي عياض: قال جميع أهل الحديث: هذا وهمٌ من ابن شهاب، فوهمٌ من خاتم الذهب إلى خاتم الفضة، والمعروف من روايات أنس من غير طريق ابن شهاب اتخاذه صلعم خاتم فضَّة، ولم يطرحه، وإنما طرح خاتم الذهب، كما ذكره مسلم في باقي / الأحاديث.
          قلت: اتفق عليها الأئمَّة السِّتَّة من حديث ابن عمر ☻ في عدة طرق، وزاد فيه: أنَّ خاتم الوَرِق استمرَّ في يده صلعم ، ثمَّ كان في يد أبي بكر، ثمَّ كان في يد عمر، ثمَّ في يد عثمان ♥ ، إلى أن سقط من يد عثمان ☺ في بئر أريس، والتُمِسَ فلم يجد.
          وفي «صحيح مسلم» من رواية ابن وهب وغيره، عن يونس، عن الزُّهريِّ، عن أنس ☺ قال: كان خاتم النَّبيِّ صلعم من وَرِق، وفَصُّه حُبْشِيٌّ.
          وفي رواية قتادة، وعبد العزيز بن صهيب، عن أنسٍ نحوًا من ذلك، وهذا يدلُّ على بقاءه في يده، وكأنَّ الشَّيخين ► إنَّما أخرجا الحديث الأول مع بقيَّة الأحاديث ليبيِّنا ما في تلك الرِّواية من الوهم.
          وقد حاول القاضي عياض، ثمَّ الشيخ محيي الدين بعده ► تأويل حديث ابن شهاب المتقدِّم، على أنَّه لمَّا أراد النَّبيُّ صلعم تحريم خاتم الذهب؛ اتخذ خاتم فضَّة، فلمَّا لبس خاتم الفضة؛ أراه الناس في ذلك اليوم، ليُعْلِمَهم إباحَتَه، ثم طرح خاتم الذهب وأعلمهم تحريمه، فطرح الناس خواتيمهم من الذهب فيكون قوله: (فطرح الناس خواتيمهم)؛ أي: خواتيم الذهب، وفي هذا التأويل من التعسف ما لا يخفى، وتنزيل ألفاظ الحديث عليه فيه عُسْر، ولكنَّه خير من التغليط، والله الموفق.