التنبيهات المجملة على المواضع المشكلة

حديث: إلا فيما كان رقمًا في ثوب

           ░23▒ ومنها: ما روى مالك في أواخر «الموطأ» عَنْ سالم بن النَّضْرِ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ ☺ يَعُودُهُ قَالَ: فَوَجَدَ عِنْدَهُ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ ☺ ، قَالَ: فَدَعَا أَبُو طَلْحَةَ إِنْسَانًا فَنَزَعَ نَمَطًا مِنْ تَحْتِهِ، فَقَالَ لَهُ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ: لِمَ تَنْزِعُهُ؟ فقَالَ: لِأَنَّ فِيهِ تَصَاوِيرَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم فِيهَا مَا قَدْ عَلِمْتَ، فَقَالَ سَهْلٌ: لم يَقُلْ رَسُولُ اللهِ صلعم : «إِلَّا مَا كَانَ رَقْمًا فِي ثَوْبٍ» قَالَ: بَلَى؛ وَلَكِنَّهُ أَطْيَبُ لِنَفْسِي.
          قال الإمام أبو عمر بن عبد البر في «الاستذكار»: كأنَّ هذا الحديث منقطع؛ لأنَّ عبيد الله بن عبد الله لم يدرك سهل بن / حنيف ولا أبا طلحة ولا حُفِظَ له عن أحد منهما سماع، ولا له من يذكرها به.
          ثمَّ احتجَّ لذلك بأنَّ سهل بن حنيف مات بلا خلاف سنة ثمان وثلاثين، وصلَّى عليه عليٌّ ☺ فكبر عليه ستًّا، وكذلك كان يفعل بالبدريِّين، ثم ذكر الاختلاف في وفاة أبي طلحة، فإنَّ بعضهم قال: إنه مات سنة أربع وثلاثين.
          ثمَّ قال: والصَّحيح في هذا الحديث أنَّ [بين](1) عبيد الله وبين أبي طلحة وسهل بن حنيف، فيه ابن عبَّاس ☻، كذا رواه الزهريُّ من رواية ابن أبي ذئب(2) وغيره، ثمَّ روي من طريق ابن أبي ذئب(3) عن ابن شهابٍ، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن أبي طلحة ☺ قال: قال رسول الله صلعم : «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ».
          ثم قال ابن عبد البَّر: كأنَّ هذا الحديث غير حديث أبي النضر(4) .
          قلت: كذلك هو ولا بدَّ، وحديث مالك عن أبي النضر قصة مباينة لهذا الحديث المرفوع، فلا يعترض به عليها، ويجعلان واحدًا.
          وأما عدم لقاء عبيد الله بن عبد الله الصحابيِّين؛ فهو كما ذكر في سهل بن حنيف؛ إذ لو أدركه عبيد الله؛ لسمع من عليٍّ ☺ وأمثاله، وقد حكموا على روايته عن عليٍّ بالإرسال، ولكن رواية مالك وقع فيها وهم في تسمية سهل بن حنيف، إما من سالم أبي(5) النضر، أو من الإمام مالك، وهو الظاهر؛ لأنَّ النَّسائيَّ روى هذه القصة في «سننه الكبرى» قال: أخبرنا محمَّد بن وهب: حدَّثنا محمَّد بن سلمة: حدَّثنا ابن إسحاق، عن / سالم أبي النضر، عن عبيد الله بن عبد الله قال: دخلت أنا وعثمان بن حنيف نعود أبا طلحة في شكواه، فدخلنا عليه وتحته بُسُطٌ فيها صور فقال لغلامه(6) : أردت أن تحوِّل هذا من تحتي، فقال له عثمان: أو ما سمعت يا أبا طلحة رسول الله صلعم حين نهى عن الصور يقول: «إلا رقمًا في ثوب، أو ثوبًا فيه رقم» ؟ قال: بلى؛ ولكنه أطيب لنفسي أن أنزعه من تحتي.
          فهذا هو الصَّواب إن شاء الله تعالى، وإن كان الإمام مالك أحفظ من ابن إسحاق وأتقن، ولكن الغلط قلَّ أن يسلم منه أحد، ويتأيَّد ذلك بأنَّ سالمًا أبا النضر ثقة، متَّفق عليه، وعبيد الله بن عبد الله أحد الفقهاء السبعة، متَّفق على جلالته والاحتجاج به، وقد صرَّح بحضور هذه القصة، ولا يحتمل سنه أن يكون ذلك مع سهل بن حنيف، فيتعين كما قال يحيى بن معين قول ابن إسحاق، وأنه عثمان بن حنيف.
          وقد ذكر ابن عبد البر في «الاستيعاب»: أنَّ عثمان بن حنيف بقي إلى زمن معاوية ☻، وحينئذٍ فصحَّ إدراك(7) عبيد الله له، وأمَّا أبو طلحة ☺ ، فالقول بأنه مات سنة أربع وثلاثين أو ما يقاربهما، لا يُعتدُّ به، لما روى أبو زرعة الدمشقيُّ الحافظ عن أبي نُعيم الفضل بن دكين، عن حمَّاد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس ☺ : أنَّ أبا طلحة ☺ سرد الصوم بعد النَّبيِّ صلعم أربعين سنة.
          وهذا إسناد صحيح، وهو يصحِّح قول المدائني / وغيره: أنَّ أبا طلحة مات سنة إحدى وخمسين، وحينئذٍ فقد أدركه عبيد الله، وزال توهُّم الانقطاع في حديث مالك، وليس فيه سوى الغلط في اسم عثمان بن حنيف، ولم ينبِّه على هذا الموضع أحد، والله أعلم.
          فرغ من تعليقه العبد الفقير إلى الله تعالى، المعترف بالذنب الراجي رحمة ربه وغفرانه، عيسى بن إبراهيم بن ناجي اللتيُّ عفا الله عنه(8) ، وغفر له، وذلك من نسخة المصنِّف بخطه، وفرغ في مستهل ربيع الأوَّل سنة ستٍّ وسبعين وسبع مئة بالمسجد الأقصى الشريف بالخانقاه الفخرية، رحم الله واقفها، والحمد لله وحده، وصلَّى الله على رسوله محمَّد وآله وسلم (9).
          [آخر الكتاب: فرغ منه محمَّد بن أحمد بن الصميديُّ، في ثامن جمادى الأولى سنة ست وسبعين وسبع مئة.
          كتبه محمَّد بن أحمد بن الصمدي شهرة، وأصلًا وبلدًا، القرشي نسبًا، الشافعي مذهبًا، الدِّمشقي مولدًا وأبًا وجدًا وجد جد ومنشأ]
(10) . /


[1] زيادة توضيحية.
[2] في الأصل: ((ذؤيب)).
[3] في الأصل: ((ذؤيب)).
[4] في الأصل: ((النصر)).
[5] في الأصل: ((ابن)).
[6] في الأصل: ((لعله)).
[7] في الأصل: ((استدراك)).
[8] ((عنه)): تكرر في الأصل.
[9] زاد في الأصل: «وليس فيه سوى الغلط في اسم عثمان بن حنيف». وهي مكررة.
[10] ما بين معقوفين ليس في الأصل.