مصابيح الجامع

باب قول الله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما}

          ░13▒ (باب قَوْلِ اللهِ ╡: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة:38]) يتعلَّق بهذه الآية بحثٌ أصولي (1) رأيتُ أن أذكره هنا، وذلك أن خصوصَ السبب لا يُخَصِّصُ عمومَ اللفظ، ومن الناس من أطلقَ (2) الكلامَ في هذه المسألة، كالبيضاوي، والحقُّ التفصيلُ(3).
          وهو أن الخطاب إما أن يكون جواباً لسؤال سائل أو لا، فإن كان جواباً، فإما أن يَستقلَّ بنفسه أو لا، فإن لم يستقل فلا خلاف أنه على حسب السؤال، إن عامًّا فعامٌّ (4)، وإن خاصًّا فخاصٌّ، وإن استقل، فهو أقسامٌ؛ لأنه إمَّا أن يكون أخصَّ، أو مساوياً، أو أعمَّ، فالأخصُّ مثلُ قول القائل: من جامعَ في نهار رمضانَ، فعليه ما على المظاهر، في جوابِ (5) مَنْ سأله عَمَّنْ أفطرَ في نهار رمضان. قيل: وهذا جائز بشروط(6) :
          أحدُها: أن يكون فيما خرجَ من الجواب تنبيهٌ على ما لم يخرجْ منه.
          الثاني: أن يكون السائل مجتهداً، وإلا لم يُفِدْ التنبيه.
          الثالث: أن لا تفوت (7) المصلحةُ باشتغال السائل بالاجتهاد.
          وأما المساوي، / فظاهر.
          وأما الأعَمُّ، فهو منقسمٌ إلى قسمين؛ لأنه إما أن يكون أعمَّ فيما سُئل عنه (8)؛ كقوله ◙ لما سئل عن ماء بئر بضاعة: ((إنَّ الماءَ طَهُورٌ لا ينجِّسُهُ شيءٌ)) رواه (9) أبو داود، والترمذي.
          وإما أن يكون عاماً في غير ما سُئل عنه؛ كقوله ╕ حين سئل (10) عن التَّوضؤ بماء البحر: ((هو الطَّهُورُ ماؤُهُ، الحِلُّ (11) مَيْتَتُه))،وحكم هذا القسم: التعميمُ بالنسبة إلى ما سُئل عنه، وإلى غيره، من غير خلاف.
          وأما القسم الأول، فقد جعلوه من محل الخلاف.
          قال الشيخ تقي الدين السبكي ☼: الذي يتَّجه القطعُ بأن العبرةَ بعمومِ اللفظ؛ لأن عدولَ المجيب عن الخاص المسؤولِ عنه إلى العام، دليلٌ على إرادة العموم.
          وأما الخطاب الذي لا يَرِدُ جواباً لسؤال سائل، بل وردَ بسبب واقعةٍ وقعت، فإما (12) أن يرد في اللفظ قرينةٌ تُشعِرُ؛ كقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة:38]، والسبب: رجلٌ سرقَ رداءَ صفوان، فالإتيانُ بالسارقة معه قرينةٌ تدلُّ على عدم الاقتصار على المعهود، وكذلك العدول عن الإفراد إلى الجمع؛ كما في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء:58]، نزلت في عثمانَ بنِ طلحةَ، أخذَ مفتاحَ الكعبة، وتَغَيَّبَ به، وأبى أن يدفعَه إلى النبي صلعم، وقيل: إن عليًّا ☺ أخذه منه، وأبى أن يدفعَه إليه (13)، فنزلت، فأعطاه النبيُّ صلعم إيَّاه، وقال: ((خُذُوهَا يَا بَنِي طلحَةَ (14) مُخَلَّدَةً فيكُمْ، لا يَنْزِعُهَا منكُمْ إلَّا ظالِمٌ)).
          وإن لم يكن ثَمَّ (15) قرينةٌ، فمقتضى كلامهم الحملُ (16) على المعهود، إلَّا أن (17) يُفهم من نفسِ الشرعِ تأسيسُ (18) قاعدة، فيكون دليلًا على العموم؛ وإن كان العمومُ لفظاً آخر، فحسنٌ (19) أن يكون ذلك (20) محلَّ الخلاف.


[1] في (ق): ((وما يتعلق بالآية من البحث الأصولي)).
[2] في (ق): ((الحق)).
[3] في (ق): ((التفصل)).
[4] في (ج): ((فعاماً)).
[5] في (ج): ((وجواب)).
[6] في (ق): ((شروطاً)).
[7] في (ق): ((تفوته)).
[8] في (ق): ((يستدعيه)).
[9] في (ف): ((ورواه)).
[10] ((حين سئل)): ليس في (ق).
[11] في (ق) و(ف): ((والحل)).
[12] في (ف): ((وإما)).
[13] ((إليه)): ليست في (ف).
[14] في (ق) زيادة: ((خالدة)).
[15] ((ثم)): ليست في (ف).
[16] ((الحمل)): ليست في (ق).
[17] في (ق): ((أن لا)).
[18] في (ق): ((بتأسيس)).
[19] في (ق): ((فيجوز)).
[20] في (ق) زيادة: ((هو)).