مصابيح الجامع

حديث: ما أذن الله لشيء ما أذن للنبي أن يتغنى بالقرآن

          5024- (قَالَ سُفْيَانُ: تَفْسِيرُهُ: يَسْتَغْنِي): قيل: عن الناس، وقيل: عن غيرهِ من الكتب.
          قال الزركشيُّ: وتفسيرُ سفيانَ له بالاستغناء خالَفَهُ (1) فيه الشافعيُّ، وقال: نحن أعلمُ بهذا، ولو أراد ╕ الاستغناءَ، لقال(2) : لم يستغنِ.
          قلت: في صدق الملازمة نظرٌ إذا ثبتَ أن تَغَنَّى بمعنى: استغنى، وتَعَفَّفَ(3).
          وقد صرح بعضُهم بصحته لغة، واستشهد بقوله ╕ في الخيل: ((ورجُلٌ ربطَهَا تغَنِّيًا وتعَفُّفًا))، ولا خلاف في هذا أنه مصدر تَغَنَّى، ثم لا إشكال بعدُ أن تَغَنَّى (4) هنا (5) بمعنى: استغنى، وتَعَفَّفَ.
          وأما قول الإسماعيلي: الاستغناءُ به لا يحتاج إلى أن يأذَنَ له، والأَذَنُ هو السماع، فمردودٌ بأن الأَذَن هنا لا يجوز حَملُه على الاستماع الذي هو (6) بمعنى الإصغاء؛ فإنه مستحيلٌ على الله ╡، وإنما هو مجازٌ أُريد به: تقريبُ القارئ، وإجزالُ ثوابه.
          قال (7) ابن المنير: يُفهم من ترجمة البخاري بقوله: باب: من لم يَتَغَنَّ بالقرآن: أنه يحمل التَّغَنِّيَ على الاستغناء، لا على الغِناء (8)؛ لكونه أَتبع الحديثَ في الترجمة بالآية الكريمة، وهي (9) قولُه تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ (10) الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت:51]. أن (11) مضمونَها الإنكارُ على مَنْ لم يستغنِ بالقرآن عن (12) غيره مِنَ الكتب السالفة، ومن المعجزات التي كانوا يقترحونها (13)، وهذا موافقٌ لتأويل سفيان، لكن / سفيان حمله على الاستغناء الذي هو ضدُّ الفقر، والبخاري يحملُه (14) على الاستغناء الذي هو (15) أعمُّ من هذا، وهو الاكتفاءُ مطلقًا.


[1] في (ق): ((خالف)).
[2] في (ق) زيادة: ((من)).
[3] ((تعفف)): ليست في (ق).
[4] ((ثم لا إشكال بعد أن تغني)): ليست في (ج) و(د).
[5] في (ق): ((هاهنا)).
[6] ((هو)): ليست في (ج) و(د).
[7] في (ق): ((وقال)).
[8] في (ج): ((الغنى))، ((لا على الغناء)): ليست في (ق).
[9] في (ق): ((وهو)).
[10] في (د) و(م) و(ق): ((إليك)).
[11] في (ق): ((إذ)).
[12] في (ق): ((من)).
[13] في (ق): ((يترجونها)).
[14] في (ق): ((يحيله)).
[15] من قوله: ((ضد الفقر...إلى...قوله: هو)): ليس في (ج) و(د).