مصابيح الجامع

باب صفة الشمس والقمر

          ░4▒ ({سَابِقُ النَّهَارِ} [يس:40]: يَتَطَالَبَانِ حَثِيْثَيْنِ): في «الانتصاف»: يؤخذ من هذه الآية: أن النهار تابعٌ لليل؛ إذ جعلُ الشمس التي هي (1) آيةُ النهار غيرَ مدركةٍ للقمر الذي هو آيةُ الليل، فبقي الإدراك الذي يمكن أن يقع، وهو يستدعي تقدمَ القمر، وتبعيةَ الشَّمس؛ فإنه لا يقال: أدركَ (2) السابقُ اللاحقَ، لكن يقال: أدركَ اللاحقُ السابقَ، / فالليلُ إذن متبوعٌ، والنهارُ تابعٌ.
          فإن قيل: فالآيةُ مصرِّحة بأن الليلَ لا يسبق النهار؟
          فجوابه: أنه مشترك الإلزام؛ إذ الأقسامُ المحتملةُ ثلاثةٌ:
          إمَّا تبعيةُ النهارِ لليلِ كمذهب الفقها.
          أو عكسُه (3)؛ وهو المنقولُ عن طائفةٍ من (4) النُّحاة.
          أو اجتماعُهما، فهذا القسم الثالث (5) منفيٌّ بالاتفاق، فلم يبقَ إلَّا تبعيةُ النهارِ لليل (6)، وعكسُه، والسؤالُ واردٌ عليهما، لاسيَّما من قال(7) : إن النهارَ سابقٌ الليلَ، يلزمه من طريق البلاغة أن (8) يقول: ولا الليل يدرك النهار؛ فإن (9) المتأخِّر إذا نُفِي إدراكُه كان أبلغَ من نفي سَبْقِه، مع أنه ناءٍ عن قوله: {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ} [يس:40] نأيًا ظاهرًا.
          فالتحقيقُ أن المنفيَّ(10) : السبقيةُ الموجبةُ لتراخي النهار عن الليل، وتخلُّل زمنٍ آخرَ بينهما، فيثبتُ التعاقبُ، وحينئذٍ يكون القولُ بسبق (11) النهارِ الليلَ مخالفًا لصدر الآية؛ فإن بين عدم الإدراك الدالِّ على التأخر والتَّبعيةوبين السبق بَوْنًا بعيدًا، ولو كان الليلُ تابعًا متأخِّرًا؛ لكان حَرِيًّا أن يوصَف بعدم الإدراك، ولا يبلغ به عدمُ السبق، فتقدُّمُ الليلِ على النهار مطابقٌ لصدر الآية (12) صريحًا، ولعَجُزِها بتأويلٍ حسنٍ.


[1] في (د): ((هي التي)).
[2] في (ق): ((إدراك)).
[3] في (ق): ((وعكسه)).
[4] ((من)): ليست في (ق).
[5] في (د) زيادة: ((منع)).
[6] في (ق): ((الليل)).
[7] ((قال)): ليست في (ق).
[8] في (ق): ((بأن)).
[9] في (ق): ((فإذاً)).
[10] في (ق): ((النفي)).
[11] في (ق): ((يكون سبق)).
[12] في (ق): ((الأمر)).