مطالع الأنوار على صحاح الآثار

اللام مع الباء

          اللَّام مع الباء
          1097- قوله: «لبَّيكَ» [خ¦1549] وهو تثنيةٌ، ومعناه: إجابةً لك بعد إجابةٍ تأكيداً، كما قالوا: «حنانَيكَ»، ونُصِبَ على المَصدرِ، هذا مذهبُ سيبُويه، ومذهبُ يونُسَ أنَّه اسمٌ غيرُ مثنَّى، وأنَّ ألِفَه انقلبت ياءً؛ لاتِّصالها بالضَّميرِ، مثل: لديَّ وعليَّ، وأصله: لبَّبَ من لبَّ بالمكان وألبَّ؛ إذا أقام به، وقيل: معناه قرباً منك وطاعةً لك، فاستثقلوا الجمعَ بين ثلاثِ باءاتٍ، فأبدلوا الثَّالثةَ ياءً، كما قالوا: تظنَّيتُ من تظنَّنتُ؛ ومعناه: إجابتي لك يا ربِّ لازمةٌ، وقال الحربيُّ: الإلبابُ القُرْبُ، وقيل: الطَّاعةُ والخضوعُ، من قولهم: أنا مُلِبٌّ بين يدَيكَ؛ أي: خاضعٌ، وقيل: اتِّجاهي لك / وقصدي، من قولهم: داري تُلِبُّ دارَكَ؛ أي: تواجِهُها، وقيل: محبَّتي لك يا ربِ، من قولهم: امرأةٌ لَبَّةٌ؛ إذا اشتدَّ حبُّها لولدِها، وقيل: إخلاصي لك يا ربِّ، من قولهم: حَسَبٌ لُبابٌ؛ أي: محضٌ.
          وفي الحديث: «لبَّبْتُه برِدائه» [خ¦4992]؛ أي: جمعتُ عليه ثوبَه عند لَبَّته، وهو صدره بتشديد الباء وتخفيفها، والتَّخفيف أعرف، واللَّبَّة المنحَر.
          ومنه: «الذَّكاةُ في الحَلْقِ واللَّبَّةِ» [خ¦72/24-8204]، و«طعن في لبَّاتِها»، و{أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} [البقرة:269]: أولوا العقول؛ لبَّ الرجلُ إذا حزمَ.
          1098- وقوله: «فأطالَ اللَّبثَ» [خ¦6443] بفتح اللَّام والباء وإسكانِ الباء أيضاً؛ وهو اسمُ الفعلِ، واللُّبْثُ بضمِّ اللَّام وسكونِ الباء المصدرُ، يقال: لَبِثَ لُبْثاً، ومنه: «لو لبِثْتُ في السِّجْنِ لُبْثَ يوسُفَ» [خ¦3372]، و«اسْتَلْبَثَ الوحيُ» [خ¦2637] كلُّه بمعنى الإبطاء والتَّأخيرِ؛ أي: تأخَّرَ وأبطأَ نزولُه.
          1099- وقوله: «من لَبَّدَ شعره» [خ¦25/126-2707]؛ أي: جمعه بما يُلزِق بعضَه إلى بعضٍ من خَطَميٍّ أو صمغٍ و شبهِه ليتَّصلَ بعضُه ببعضٍ فلا يشعَثَ ويقمَلَ في الإحرامِ.
          و«الكساء المُلبَّد» [خ¦3108] الذي كُثِفَ ومُشِطَ وصفِقَ حتَّى صار شِبهَ اللِّبدِ، وقيل: معناه مرقَّعاً، يقال: لبَدتُ الثَّوبَ ولبَّدتُه وألْبَدتُه؛ أي: رقَعتُه، وإلى هذا ذهب الهرَويُّ، والأوَّل أصحُّ؛ لقوله في الرِّوايةِ الأخرى: «مِنْ هذه المُلبَّدَة» [خ¦3108] فدلَّ على أنَّه جنسٌ.
          وقوله: «لبَّدَ بعضَها فوقَ بعضٍ»؛ أي: رقَّع.
          1100- قوله: «فلُبِطَ به»؛ أي: صُرِعَ وسقط لجنبه، واللَّبْط بسكون الباء اللُّصوقُ بالأرض، قال مالكٌ: وُعِكَ لحينِه. وفي حديث إسماعيلَ: «يَتلوَّى ويَتلَبَّطُ» [خ¦3364]؛ أي: يتقلَّبُ عَطَشاً.
          1101- وقوله: «عليكم بالتَّلْبينةِ» [خ¦5690] هو حَساءٌ من دقيقٍ أو نُخالةٍ، سُمِّيت من اللَّبنِ لبياضِها(1)، وقد يُجعَلُ فيها اللَّبنُ أو العسلُ.
          وقوله: «وعِندي عَناقُ لَبَنٍ» [خ¦5556]؛ أي: ملبونةٌ تَطعَمُ اللَّبنَ وتَرضعُه، وقال بعضُهم: أنثى، وليس بشيءٍ.
          وقوله: «إنِّي مصَصْتُ عنِ امرَأتي [من ثديها] لَبناً» قال أبو عُبيدٍ: / والمعروفُ في كلام العربِ: لِباناً، قال غيرُه: اللِّبَانُ في بناتِ آدمَ، واللَّبَنُ لغيرِهنَّ.
          وقوله: «وأنا مَوضِعُ تلك اللَّبِنةِ» [خ¦3534] ويقال: اللِّبْنَة، ويجمع لَبِن ولِبْن، وهو هذا الطُّوبُ.
          وقوله: «ولِبْنتُها دِيباجٌ»؛ أي: لِبنةُ الثَّوبِ رُقعةٌ من جَيبِه، بكسر اللَّام وسكون الباء.
          1102- وقوله: «فلَبَسَ عليه» [خ¦1232] مخفَّفُ الباء، ومنهم مَن ثقَّلها، والتَّخفيفُ أفصحُ؛ من قوله ╡: {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ} [الأنعام:9]؛ أي: خلَط عليه أمرَ صلاتِه، وشبَّهها عليه.
          وقوله: «مَن لبسَ على نَفْسِه لَبْساً جَعَلْنا لَبْسَه به، لا تَلبِسوا علينا» كلُّ ذلك بالتَّخفيف لشيُوخِنا في «المُوطَّأ»، وفي رواية الأصِيليِّ في الآخرِ بالتَّشديدِ.
          وقوله: «ذَهبْتَ ولم تلبَسْ منها بشيءٍ» يعني: من الدُّنيا.
          وقوله: «نهَى عن لِبْسَتَينِ» [خ¦584] كُسِرتِ اللَّامُ؛ لأنَّها هيئةٌ وحالةٌ في اللِّباسِ، وقد رويَ بضمِّ اللَّام على اسمِ الفعلِ، والأوَّل هنا أوجَهُ.
          وقوله في التُّركِ: «يلبَسونَ الشَّعَر»، وفي الحديث الآخر: «يمشونَ في الشَّعَر» يحتملُ أن يكونَ على ظاهرِه من أنَّ لباسَهم من الشَّعَر، ويحتملُ أنَّه تفسيرٌ لقوله: «يَنتَعِلونَ الشَّعَر» [خ¦3592]؛ أي: إنَّها نعالُهم من حِبالٍ من شعَرٍ وضفائرَ من شعَرٍ، ويحتملُ أن يريدَ بذلك كثرةَ شعورِهم حتَّى تُجلِّلَ أجسامَهم.
          وقوله: «لُبِسَ عليه»؛ أي: خُلِطَ وعَميَ أمرُه عليه، ومنه في خبر ابنِ صيَّادٍ: «فلَبَسَني» بتخفيف الباء؛ أي: جعَلنِي ألتبِسُ في أمرِه.
          و«اللُّوبياء» حَبٌّ معروفٌ، وهو ممدودٌ.


[1] في «المشارق»: (شبهت باللبن) لبياضها.