المعلم بشيوخ البخاري ومسلم

محمد بن إدريس بن المنذر بن داود

          169- محمَّد بن إدريسَ بن المنذر بن داودَ بن مِهران أبو حاتم التميميُّ الحنظليُّ من أنفسِهم الرازيُّ، مات بها في شعبان سنة سبع وسبعين ومئتين.
          روى عن: أبي نُعيم الفضل بن دُكَين المُلائيِّ، وأبي عبد الله محمَّد بن عبد الله بن المثنَّى الأنصاريِّ القاضي، وأبي محمَّد عُبيد الله بن موسى العبسيِّ، وأبي الحسن آدم بن أبي إياس العسقلانيِّ، وأبي عامر قَبيصةَ بنِ عُقبةَ السُّوائيِّ، وأبي عثمانَ عفَّانَ بنِ مسلمٍ الصفَّار، وأبي محمَّد سعيد بن الحكم بن أبي مريم الجُمحيِّ، وأبي مُسهِر عبد الأعلى بن مُسهِر الغسَّانيِّ، وأبي حفص عمرو بن الربيع بن طارق الهلاليِّ، وأبي حفص عمر بن حفص بن غياث النَّخَعيِّ، وأبي زكريَّا يحيى بن صالحٍ الوُحاظيِّ، وغيرِهم.
          روى عنه: يونس بن عبد الأعلى الصَّدَفيُّ المِصريُّ، والربيع بن سليمانَ المِصريُّ، وعبدة بن سليمانَ المَروزيُّ، وأبو جعفرٍ محمَّد بن عوف بن سفيانَ الطائيُّ، وأبو بكر أحمد بن منصور بن سيَّار الرَّماديُّ، وأبو بكر أحمد بن إسحاقَ بن صالح بن عطاء الوزَّان، وأبو زُرعةَ عبد الرحمن بن عمرو النصريُّ الدِّمشقيُّ، وأبو زُرعةَ عُبيد الله بن عبد الكريم الرازيُّ، وأبو بكر موسى بن إسحاقَ بن موسى الأنصاريُّ القاضي، وأبو بكر عبد الله بن محمَّد بن عبيد بن أبي الدنيا القُرشيُّ، وأبو إسحاقَ إبراهيم بن إسحاقَ بن دَيسم الحربيُّ، وأبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النَّسويُّ، وأبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزَّار، وأبو محمَّد عبد الله بن عليِّ بن الجارود النِّيسابوريُّ، وأبو العبَّاس محمَّد بن إسحاقَ بنِ إبراهيمَ الثَّقَفيُّ النِّيسابوريُّ السَّرَّاج، وأبو العبَّاس أحمد بن عليِّ بن مسلمٍ النخشبيُّ / الأبَّار، وغيرُهم.
          وروى البُخاريُّ في «الجامع الصحيح» عن محمَّد _غير منسوبٍ_ عن يحيى بن صالح في (كتاب المحصر) في (باب: إذا أحصر المعتمر).
          واختُلف في محمَّد هذا؛ فقيل: هو محمَّد بن مسلم بن وارة الرازيُّ، قاله أبو مسعود إبراهيم بن محمَّد الدِّمشقيُّ، وقيل: هو محمَّد بن يحيى _يعني: الذُّهْليَّ_ قاله أبو عبد الله الحاكم.
          وقال أبو نصرٍ الكَلاباذيُّ: قال لي ابن أبي سعيد السَّرَخْسيُّ: إنَّ محمَّدًا هذا غيرَ منسوب هو ابنُ إدريس أبو حاتم الرازيُّ، وذكر أنَّه رآه في أصلٍ عتيقٍ.
          قال محمَّدٌ: أبو حاتم محمَّد بن إدريسَ الرازيُّ هذا إمام في الحديث وعِلَلِه ورجالِه، روى عنه البُخاريُّ أيضًا في كتاب «التاريخ» فقال في اسم خالد العبدي(1): قال لي محمَّد بن إدريسَ: حدَّثنا عبد الله بن صالح بن مسلم: أخبرنا إسرائيل، عن خالد العبدي، عن محمَّد بن المُنكَدِر، عن جابرٍ رفعه: «خيارُكم مَن قَصَرَ الصلاةَ في السفر وأفطر».
          قال أبو أحمد بن عديٍّ الجُرجانيُّ: سمعت القاسم بن صفوانَ أنَّ البرذعيَّ يقول: سمعتُ عثمان بن خرَّزاذ الأنطاكيَّ يقول: أحفظُ مَن رأيتُه أربعةٌ: محمَّد بن المنهال الضرير، وإبراهيم بن محمَّد بن عرعرة، وأبو زُرعةَ، وأبو حاتم.
          وذكر أبو محمَّد بن أبي حاتم قال: وسمعتُ موسى بن إسحاقَ القاضي يقول: ما رأيتُ أحفظ من والدك، وقد لقي أبا بكر ابن أبي شيبةَ، وابن نمير، ويحيى بن معين، ويحيى الحِمَّانيَّ.
          وذكر أبو عبد الله الحاكم قال: أخبرنا أبو الفضل محمَّد بن إبراهيمَ الهاشميُّ: حدَّثنا أحمد بن مسلمة قال: ما رأيت بعد إسحاقَ _يعني: ابن راهويه_ ومحمَّدِ بن يحيى أحفظ للحديث ولا أعلم بمعانيه من أبي حاتم محمَّدِ بنِ إدريسَ.
          وقال أبو عمر النَّمريُّ: أبو حاتم الرازيُّ كان أحد الحفَّاظ للحديث، / المعتنين به، الأئمَّةِ فيه، العارفين برجاله، المقدَّمين في ذلك.
          ونقلتُ من خطِّ ابن يربوع قال: حدَّثنا أبو علي _ونقلتُه مِن خطِّه_ قال: أخبرنا أبو العاصي حكم بن محمَّد بن حكم _ونقلتُه مِن خطِّه_ قال: حدَّثنا أبو الحسن عليُّ بن عبد الله بن الحسين بن جهضم: حدَّثنا أبو الفضل صالح بن أحمد بن محمَّد الحافظ ☼ قال: لمَّا وافى محمَّد بن إسماعيلَ البُخاريُّ صاحبُ «الجامع» المعروف بـ«الصحيح» إلى الرَّيِّ؛ قصد أبا زُرعةَ عَبيدَ الله بنَ عبد الكريم بن يزيدَ بن فرُّوخ، وأبا حاتم محمَّدَ بنَ إدريسَ، وكانا إمامَي المسلمين في وقتِهِما وزمانِهِما، والمرجوعَ إليهما في الحديث وعلمِ ما اختَلف فيه الرُّواةُ... وذكر القِصَّة.
          وذكر أبو بكرٍ الخطيب في «تاريخه» فقال: محمَّد بن إدريسَ بن المنذر بن داودَ بن مِهران أبو حاتمٍ الحنظليُّ الرازيُّ، كان أحد الأئمَّة الحفَّاظ الأثبات، مشهورًا بالعلم، مذكورًا بالفضل، وكان أوَّلَ كَتْبِه للحديث سنة تسعٍ ومئتين.
          روى عنه: يونس بن عبد الأعلى والربيع بن سليمانَ المِصريَّان وهما أكبر منه سِنًّا وأقدم منه سماعًا، وأبو زُرعةَ الرازيُّ، والدِّمشقيُّ.
          وقدم بغداذ، فروى عنه من أهلها: أحمد بن منصور الرَّماديُّ، وإبراهيم الحربيُّ، وابن ناجيةَ، وأحمد بن صالح بن إسحاقَ الوزَّان، وابن أبي الدنيا، والمَحامليُّ، وأبو مَخْلد، وابن عيَّاش القطَّان، وغيرُهم.
          روى ابنه عبد الرحمن عنه قال: أوَّلُ سنةٍ خرجتُ في طلب الحديث أقمتُ سنين، أحصيتُ ما مشيتُ على قدميَّ زيادة على ألفِ فرسخٍ، لم أزل أُحصى حتَّى لمَّا زاد على ألفِ فرسخٍ تركتُه.
          قال: سمعت أبي يقول: بقِيتُ بالبصرة سنةَ أربعَ عشرةَ ومئتين ثمانيةَ أشهرٍ، وكان في نفسي أن أُقيم سنةً، / فانقطع نفقتي، فجعلت أبيع ثيابي شيئًا بعدَ شيءٍ حتَّى بقِيتُ بلا نفقةٍ، ومضَيتُ أطواف مع صديقٍ لي إلى المسجد وأسمع معهم(2) إلى المساء، فانصرفَ رفيقي ورجعتُ إلى بيتٍ خالٍ، فجعلتُ أشربُ الماء مِنَ الجوع، ثم أصبحتُ مِنَ الغَدِ، وغدا عليَّ رفيقي، فجعلتُ أطوف معه في سماع الحديث على جوعٍ شديدٍ، فانصرف عنِّي وانصرفتُ جائعًا، فلمَّا كان الغدُ؛ غدا عليَّ فقال: مُرَّ بنا إلى السماع، فقلتُ: أنا ضعيفٌ لا يمكنُني، قال: ما ضعفُك؟ قلت: لا أكتُمُكَ أمري، قد مضى يومان(3) ما طَعِمْتُ فيه، فقال لي رفيقي: معي دِينارٌ، فأنا أَواسيك بنصفِه، ونجعلُ النصف الآخر في الكِراء، فخرجنا من البصرة، وقبضتُ منه نصفَ الدِّينار.
          وقال عبد الرحمن: سمعتُ أبي يقول: قلتُ على باب أبي الوليد الطَّيالِسيِّ: مَنْ أغربَ عليَّ حديثًا غريبًا مُسندًا صحيحًا لم أسمع به، فله عليَّ دِرهمٌ يتصدَّق به، وقد حضر على باب أبي الوليد خلقٌ مِنَ الخلق، أبو زُرعةَ فمَن دونه، وإنَّما كان مُرادي أن يلقَى عليَّ ما لم أسمع به ليقولوا: هو عند فلان، فأذهب فأسمع، وكان مُرادي أن أستخرجَ منهم ما ليس عندي، فما تَهَدَّى لأحدٍ منهم أن يُغرِبَ عليَّ حديثًا.
          وقال عبد الرحمن: سمعتُ يُونسَ بن عبد الأعلى يقولُ: أبو زُرعةَ وأبو حاتمٍ إماما خُراسان، ودعا لهما وقال: بقاؤُهما صلاحٌ للمسلمين.
          وقال عبد الرحمن: سمعت أبي يقول: جرى بيني وبين أبي زُرعة يومًا تمييزٌ للحديث ومعرفته، فجعل يذكر أحاديثَ ويذكُر عِلَلَها، وكذلك كنتُ أذكر أحاديثَ وعِلَلَها وخطأَ الشيوخ، فقال لي: يا أبا حاتمٍ؛ قلَّ مَن يعلم هذا، ما أعزَّ هذا! إذا رفعت هذا من واحد واثنين فما أقلَّ مَن تجد مَن يُحسِنُ هذا، ورُبَّما أشكُّ / في شيءٍ، أو يتخالجُني شيءٌ في حديثٍ، فإلى أن ألتقيَ معك لا أجدُ مَن يشفيني منه، قال أبي: وكذلك كان أمري.
          ورُوي عن أبي حاتم: قال لي أبو زُرعةَ: ترفعُ يدَكَ في القنوت؟ قلت: لا، فقلت له: فترفعُ أنت؟ قال: نعم، فقلتُ: ما حُجَّتُكَ؟ قال: حديثُ ابنِ مسعودٍ، قلتُ: رواه ليث بن أبي سُليم، قال: حديثُ أبي هريرةَ، قلتُ: رواه ابنُ لَهِيعةَ، قال: حديثُ ابنِ عبَّاس، قلتُ: رواه عوفٌ، قال: فما حُجَّتُكَ في تركه، قلتُ: حديثُ أنسٍ: أنَّ النبيَّ صلعم كان لا يرفعُ يديه في شيءٍ من الدُّعاء، إلَّا في الاستسقاء. فسكت.
          وقال عبد الرحمن: سمعت موسى بنَ إسحاقَ يقول: ما رأيتُ أحفظَ مِن أبيك _قال عبد الرحمن: وقد رأى أحمدَ ابنَ حنبلٍ، ويحيى بنَ معين، وأبا بكر ابنَ أبي شيبةَ، وابنَ نمير، وغيرَهم_ فقلتُ له: فرأيتَ أبا زرعةَ؟ قال: لا.
          قال عبد الرحمن: سمعت أبي يقول: قال لي هشام بن عمَّار: أيُّ شيءٍ تحفظُ على الأذواء؟ قلتُ له: ذو الأصابع، وذو الجوشن، وذو الزوائد، وذو اليدين، وذو اللِّحية الكِلابيُّ، وعددتُ له ستةً، فضحك وقال: حفظنا نحن ثلاثةً، وزدتَ أنت ثلاثةً.
          وقال عبد الرحمن: سمعتُ أبي يقول: اكتب أحسنَ ما تسمع، واحفظ أحسنَ ما تكتب، وذاكر بأحسنِ ما تحفظ، أخبرنا عليُّ بن أبي عليٍّ المعدل: حدَّثنا الحسين بن محمَّد بن إسحاقَ السرطيُّ(4) قال: أنشدنا محمَّد بن هارونَ الرازيُّ قال: أنشدنا أبو حاتمٍ الرازيُّ:
تَفَكَّرْتُ فِي الدُّنْيَا فَأَبْصَرْتُ رُشْدَهَا                     وَذَلَّلْتُ بِالتَّقْوَى مِنَ اللهِ حَدَّهَا
أَسَأْتُ بِهَا ظَنًّا فَأَخْلَفْتُ وَعْدَهَا                     فَأَصْبَحْتُ مَوْلَاهَا وَقَدْ كُنْتُ عَبْدَهَا
          قال النَّسائيُّ: محمَّد بن إدريسَ أبو حاتمْ رازيٌّ ثقةٌ.
          وسمعتُ أبا نُعيم الحافظ يقول: أبو حاتمٍ الرازيُّ إمامٌ في الحفظِ.
          وقال لنا هبة الله بن الحسن الطبريُّ: كان أبو حاتمٍ الرازيُّ إمامًا عالمًا بالحديث /
          حافظًا له متقنًا متثبِّتًا ☼.


[1] كانت في الأصل: (العبد)، ثم أقحمت الياء، وكذا في الموضع اللاحق.
[2] في هامش الأصل: («منهم»، وهو في الأصل، و«معهم» في الطُّرَّة).
[3] في الأصل: (يومين)، والمثبت من الهامش، وفيه: (صوابه: يومان، صح صح).
[4] في المصادر: (السوطي).