المعلم بشيوخ البخاري ومسلم

باب في ذكر إمامة مسلم بن الحجاج وثقته وإتقانه☼

          باب في ذكر إمامة مسلم بن الحجَّاج وثقته وإتقانه ومعرفته بالحديث وعِلَله وتاريخ وفاته ☼
          هو مسلم بن الحجَّاج بن مسلم، أبو الحسين القُشَيريُّ النِّيسابوريُّ.
          ذكره ابن أبي حاتم في كتاب «الجرح والتعديل» فقال: كتبتُ عنه بالرَّيِّ، وكان ثقةً من الحفَّاظ، له معرفةٌ بالحديث، ثمَّ قال ابن أبي حاتم: سئل أبي عنه فقال: صدوق.
          وذكره مسلمةُ بن قاسم فقال: جليل القدر، ثقة، من أئمَّة المحدِّثين، له كتابٌ في الصحيح ألَّفه، لم يضع أحدٌ مثلَه.
          وذكره أبو بكر أحمدُ بن عليِّ بن ثابت الخطيبُ فقال: أحدُ الأئمِّة من حفَّاظ الحديث، وهو صاحب «المسند الصحيح»، رحل إلى العراق والحجاز والشام ومِصرَ، وقدم بغداذ غير مرَّةٍ وحدَّث بها، فروى عنه من أهلها يحيى بن محمَّد بن صاعد، ومحمَّد بن مَخْلَد، وآخِرُ قدومه بغداذ كان في سنة تسع وخمسين ومئتين.
          أخبرني محمَّد بن أحمد بن يعقوب قال: أخبرنا محمَّد بن نُعيم الضَّبِّيُّ قال: حدَّثنا أبو الفضل محمَّد بن إبراهيمَ قال: سمعت أحمد بن سلمة يقول: رأيتُ أبا زُرعة وأبا حاتم الرَّازيَّين يقدِّمان مسلمَ بن الحجَّاج في معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما، وأخبرني ابن يعقوب: أخبرنا محمَّد بن نُعيم قال: سمعت الحسين بن محمَّد الماسَرْجِسِيَّ يقول: سمعت أبي يقول: سمعت مسلم بن الحجَّاج يقول: صنَّفت هذا «المسند الصحيح» من ثلاث مئة ألف حديث مسموعة.
          حدَّثني أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عليٍّ الشوذَرْجانيُّ بأصبهان / قال: سمعت محمَّد بن إسحاقَ ابن منده يقول: ما تحت أديم السماء أصحُّ من كتاب مسلم بن الحجَّاج في علم الحديث.
          وذكر أبو عبد الله الحاكم قال: حدَّثوني عن محمَّد بن عبد الوهَّاب: سمعت الحسين بن منصور يقول: قال إسحاق بن إبراهيمَ الحنظليُّ ونظر إلى مسلم بن الحجَّاج فقال: مردا(1) كاين بَوذْ! قال الحاكم: فرضي الله عن إسحاق، لقد أصابت فِراسته الذكيَّة فيه.
          قال محمَّدٌ: وقد روى ذلك أيضًا أحمد بن سلمة، عن الحسين بن منصور، عن إسحاق بن إبراهيمَ _هو ابن رَاهَوَيْه الحنظليُّ_، وهي كلمةٌ فارسيَّةٌ معناها: أيُّ رجل يكون هذا!
          وقال محمَّد بن عبد الله النِّيسابوريُّ: سمعت أبا عبد الله محمَّد بن يعقوب يقول: سمعت أحمد بن سلمة يقول: عُقِد لأبي الحسين مسلمِ بن الحجَّاج مجلسُ المذاكرة، فذُكِر له حديثٌ لم يعرفه، فانصرف إلى منزله وأوقد السِّرَاج، وقال لِمَن في الدَّار: لا يدخلنَّ أحدٌ منكم البيتَ، فقيل له: أُهدِيَت لنا سِلَّة فيها تمرٌ، قال: قدِّموها إليَّ، فقدَّموها إليه، وكان يطلبُ الحديثَ ويأكل تمرةً تمرةً يمضغها، فأصبح وقد فَنِي التمر ووجد الحديثَ.
          قال محمَّد بن عبد الله: زادني الثقة من أصحابنا أنَّه منها مات ☼.
          وذكر القاضي عياضٌ مسلمًا هذا فقال: أحدُ أئمَّة المسلمين وحفَّاظ المحدِّثين ومتقني المصنِّفِين، أثنى عليه غيرُ واحد من الأئمَّة المتقدِّمين، وأجمعوا على إمامته وتقديمه وصحَّة حديثه ومَيْزِه ومعرفته وثقته وقَبول كتابه.
          وقال أبو مروان الطُّبْنيُّ: كان من شيوخي مَن يفضِّل كتاب مسلم على كتاب البُخاريِّ.
          ورُوِيَ عن مسلمٍ أنَّه قال: عَرَضتُ كتابي على أبي زُرعة الرازيِّ، فكلُّ ما أشار إليَّ له علَّةٌ تركتُه، وما قال: هو صحيحٌ ليس له علَّة؛ أخرجتُه.
          قال محمَّدٌ: مسلم بن الحجَّاج إمامٌ من الأئمَّة في الحديث وعِلَله ورِجاله، روى عنه جماعةٌ من أئمَّة الحديث وحفَّاظهم؛ فممَّن روى عنه: أبو عيسى / محمَّد بن عيسى التِّرمذيُّ، وأبو بكر محمَّد بن إسحاقَ بن خزيمة السلميُّ، وأبو العبَّاس محمَّد بن إسحاقَ بن إبراهيمَ الثَّقَفيُّ السَّرَّاج، وأبو حامد أحمد بن محمَّد بن الحسن بن الشرقِيِّ الحافظ، وأبو محمَّد يحيى بن محمَّد بن صاعد البغداذيُّ، وأبو عبد الله محمَّد بن مَخْلَد بن حفص الدُّوريُّ، وأبو حاتم مكِّيُّ بن عبدان بن محمَّد بن بكرٍ النِّيسابوريُّ، وغيرُهم.
          وقال أبو عبد الله الحاكم: سمعت محمَّد بن يعقوب أبا عبد الله الحافظَ يقول: تُوُفِّيَ مسلمُ بن الحجَّاج عشيَّة يوم الأحد، ودُفِنَ يوم الاثنين لخمسٍ بقين من رجب سنة إحدى وستِّين ومئتين.


[1] في هامش الأصل: (مرذ، خ، صح)، و(مرد) باللغة الفارسية تعني: رجل.