جامع الصحيحين بحذف المعاد والطرق

حديث: ما يبكيك يا ابن الخطاب

          2885- (م) حدَّثنا حَمْد (1) بن أحمد بن عمر قال: أخبرنا أبو عبد الله قال: أخبرنا مُحَمَّد بن الحُسَين قال: حدَّثنا أحمد بن يوسف قال: حدَّثنا النَّضْر بن مُحَمَّد قال: حدَّثنا عِكْرِمَة بن عمَّار.
          (ح (2) ): وحدَّثنا أحمد بن مُحَمَّد بن عبد الله قال: حدَّثنا الحسن بن عَلِيٍّ قال: حدَّثنا عبد الله بن مُحَمَّد بن جعفر قال: أخبرنا أبو يَعلى _واللفظ له_ قال: حدَّثنا أبو خَيْثَمة قال: حدَّثنا عمر بن يونس قال: حدَّثنا عِكْرِمَة بن عمَّار عن سِمَاكٍ أبي زُمَيلٍ الحَنَفي قال: حدَّثني عبد الله بن عَبَّاس قال:
          حدَّثني عمر بن الخطاب قال: لمَّا اعتَزلَ النبيُّ صلعم نساءَه دخلتُ المسجدَ، فإذا النَّاسُ يَنكُتُون بالحصا ويقولون: طلَّقَ رسولُ الله صلعم نساءَه، وذلك قبل أن يُؤمرَ بالحجاب، فقلت: لَأَعِظَنَّهُنَّ اليومَ، قال: فدخلتُ على عائشةَ، فقلت: يا ابنةَ أبي بكر؛ قد بلغ من شأنك أن تُؤذي رسولَ الله صلعم؟ فقالت: ما لي ولكَ يا ابنَ الخطاب؟! عليك بعَيبتِك، فدخلتُ على حفصةَ بنتِ عمرَ، فقلت: يا حفصةُ؛ أقد بلغَ من شأنِك أن تُؤذي رسولَ الله صلعم؟! واللهِ لقد علمتِ أنَّ رسولَ الله صلعم لا يحبُّك، ولولا أنا لَطَلَّقَكِ؟ قال: فبكَتْ أشدَّ البكاء، فقلت لها: أين رسولُ الله صلعم؟ فقالت: هو في خزانتِه في المَشرُبة، فدخلتُ، فإذا أنا برَبَاحٍ غلامِ رسولِ الله صلعم قاعدٍ على أُسكُفَّة المَشرُبة، مُدَلٍّ رِجلَيه على نَقِيرٍ من خشبٍ _وهو جِذعٌ يَرتقي عليه رسولُ الله صلعم ويَنحدر_ فناديتُ، فقلت: يا رَبَاحُ؛ استَأذِنْ لي عندَك (3) على رسول الله صلعم، فنظر رَبَاحٌ إلى الغرفة، ثمَّ نظر إليَّ، فلم يقلْ شيئًا، فقلت: يا رَبَاحُ؛ استَأذِنْ لي عندَك على رسول الله صلعم، فنظر رَبَاحٌ إلى الغرفة، ثمَّ نظر إليَّ، فلم يقلْ شيئًا، ثمَّ رفعتُ صوتي، فقلت: يا رَبَاحُ؛ استَأذِنْ لي عندَك على رسول الله صلعم؛ فإنِّي أظنُّ أنَّ رسولَ الله صلعم ظنَّ أني جئتُ من أجل حفصةَ، واللهِ لَئن أَمرَني بضرب عنقها لأَضربَنَّ عنقَها، ورفعتُ صوتي، فأَومأَ إليَّ: أن اُدنُه، فدخلتُ على رسول الله صلعم، وهو مضطجعٌ على حصيرٍ، فجلستُ، فإذا عليه إزارُه وليس عليه غيرُه، وإذا الحصيرُ قد أثَّر في جنبه، فنظرتُ ببصري في خزانة رسول الله صلعم، فإذا أنا بقبضةٍ من شعيرٍ نحو الصاع، ومثلُها قَرَظٌ في ناحية الغرفة، وإذا أَفِيقٌ مُعلَّقٌ، قال: فابتَدَرَتْ عيناي، فقال: «ما يُبكيك يا ابنَ الخطاب؟» فقلت: يا نبيَّ الله؛ وما لي لا أَبكي، وهذا الحصيرُ قد أثَّر في جنبك، وهذه خِزانَتُكَ لا أَرى فيها إلَّا ما أَرى، وذاك قيصرُ وكسرى في الثمار والأنهار، وأنتَ رسولُ الله وصفيُّه، وهذه خزانتُك؟! فقال: «يا ابنَ الخطاب؛ ألا تَرضى أن يكونَ (4) لنا الآخرةُ ولهم الدُّنيا؟!» قلت: بلى، قال: ودخلتُ عليه حين دخلتُ، وأنا أَرى في وجهه الغضب، فقلت: يا رسول الله؛ ما يَشقُّ عليك من شأن النِّساء؟ فإن كنَّ طلَّقتَهنَّ فإنَّ اللهَ معَك وملائكتَه وجبرئيلَ وميكائيلَ، وأنا وأبو بكر والمؤمنون معَك، وقلَّما تكلَّمتُ _وأَحمدُ اللهَ_ بكلامٍ إلَّا رجوتُ أن يكونَ اللهُ يُصدِّق قولي الذي أَقول؟ قال: ونَزلتْ عليه (5) هذه الآية، آيةُ التخيير {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ} [التحريم:5] {وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجَبْرَئيلُ وَصَالِحُ المُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم:4] وكانت عائشةُ وحفصةُ تَظَاهرَتَا على سائر نساء النبيِّ صلعم، فقلت: يا رسول الله؛ أطلَّقتَهنَّ؟ قال: «لا» فقلت: يا رسول الله؛ إنِّي دخلتُ المسجدَ والمسلمون يَنكُتُون بالحصا ويقولون: طلَّقَ رسولُ الله صلعم نساءَه، فأَنزلُ، فأُخبرُهم أنَّك لم تُطلِّقْهنَّ؟ قال: «نعم، إن شئتَ» ولم / أَزلْ أُحدِّثه حتَّى تَحسَّرَ الغضبُ عن وجهه، وحتَّى كَشَرَ وضحكَ، وكان من أحسنِ الناسِ ثغرًا صلعم، فنَزل نبيُّ الله صلعم ونَزلتُ أَتشبَّثُ بالجذع، ونزل رسولُ الله صلعم كما يمشي على الأرض، ما يمسُّه بيده، فقلت له: يا رسول الله؛ إنَّما كنتَ في الغرفة تسعةً وعشرين يومًا، قال: «إنَّ الشهرَ قد يكون تسعًا وعشرين» فقمتُ على باب المسجد، فناديتُ بأعلى صوتي: لم يطلِّقْ رسولُ الله صلعم نساءَه، قال: ونَزلتْ هذه الآيةُ: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النِّساء:83] فكنتُ أنا استَنبطتُ ذلك الأمرَ، فأَنزل اللهُ تعالى آيةَ التخيير.


[1] في (ظ): (محمد)، وهو تحريف.
[2] في (ظ): (خ).
[3] (عندك): ليس في (ظ).
[4] في (ظ): (تكون).
[5] (عليه): ليس في (ظ).